يَشعُرُ أولئك الذين يحبون الخير للناس بالسعادة، عندما يَنْمِي إليهم نبأُ تَحَوُّلِ أحدهم من الانغماس في سماع الأغاني ليلَ نهار، إلى استماع القرآن كل وقت وحين.
والحقُّ أن في هذا الأمر إشكالًا يخفى على الذين يَسعَدون بأنباءٍ كهذه؛ إذ إن هذا يعني أولًا أن هناك مساواة – في اللا وعي – بين القرآن والغناء، من حيثُ حُلُولُ أحدِهما مكانَ الآخر ومعاملتُه بذات الطريقة، أي جَعْلِهِ وسيلةَ ترفيهٍ وتسلية، غير أن الفرق – فقط – في قدسية الأول و"إثم" الثاني، كما هو شائع.
وهذا مُؤَدَّاهُ أن يتجاهل المسلم - تجاهُلًا تامًّا - قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون﴾[الأعراف: 204]، فالقرآن منهجٌ للحياة، وزادٌ للمَعَاد، وهو كلام قَيُّوم السماوات والأرض، ولا يصح – بأي حال – اتخاذه (خَلْفِيَّة) صوتية لِمَن يمارس نشاطًا ما.
وبالرغم من أن هناك فهمًا لدى البعض لمعنى الآية آنفة الذكر، من أن الأمر هنا في الصلاة فقط؛ إلا أن هذا رأيٌ ضعيف جدًّا لا تؤيده الآية من قريب أو بعيد، بل هو صوت قارئ القرآن أينما كان، في صلاةٍ أو في غير صلاة.
ويلاحَظ أن الله لم يأمر بالسماع بل بالاستماع، والفرق أن السماع عَرَضِيٌّ لا انتباه معه، بينما الاستماع تَعَمُّدِيٌّ ويصاحبه فهمُ ما يُقال. كما أنه - سبحانه - زاد على الاستماع الإنصات، وهو سكون الجوارح مع الحرص على سماع واستماع وفهم واستيعاب كل حرف يُقرأ من هذا الكتاب العظيم.
وأيًّا تكن علاقة الإنسان بالغناء، فإن المسلم يَتَعَبُّدُ الله بالاستجابة لأمره في عدم هجر القرآن، ومِن هَجْرِه – إضافةً إلى تجاهُل أوامره ونواهيه وترك قراءته وتدبُّره – تركُ الاستماع إليه بصورة دائمة؛ ولذلك فالأجدر بالمسلم الحقّ أن يكون الاستماع والإنصات هو دَيْدَنَهُ حيثما وكيفما سمع أحدًا يتلو آيات الله البَيِّنات.
وقبل الختام أرغب في التعبير عن استيائي من أصحاب بعض المَحَالِّ التجارية، وربات البيوت، وغيرهم، عندما يُدِيرون أحد الأجهزة لتصدح بالذكر الحكيم الذي يهدي إلى الصراط المستقيم، ثم هم لاهون في أعمالهم، وكأنهم هنا يُساوون – ولو في غير وعيهم – بين الغناء أو أي لهو، وبين كلامٍ قال عنه مَن أنزله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾[الحشر: 21].
وأختم بآيتين أرى فيهما بُشرَى من أعظم البُشَر، فتأمَّلوا معي واستبشروا خيرًا:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور﴾[فاطر: 29-30].