يحذر المحللون دوما من أن الإفراط في سياسة العقوبات الدولية من جانب الولايات المتحدة يعمل على تسليح الدولار بما يؤدي لتآكل مكانته عالميا، لكن كتابا صدر حديثا زعم أن واشنطن ستدفع ثمنا باهظا لهذا الدولار الذي عملت طويلا على إبقائه قويا بغية الهيمنة.
والكتاب الذي يحمل عنوان "جنود من ورق: كيف غير تسليح الدولار النظام العالمي"،ألفته "صالحة محسن" وهي مراسلة بارزة في واشنطن تعمل لصالح وكالة بلومبرغ.
الصعود للقوة
وحسب الكتاب الذي نشرت مجلة "فورين أفيرز" عرضا مقتضبا له، فإن هناك "قصة غير مروية" عن كيف استخدمت إحدى أكثر المؤسسات الأمريكية التي لا تقهر - وزارة الخزانة - الدولار الأمريكي لتحديد دور أمريكا في العالم ومستقبل البلاد الاقتصادي.
وبدأت رحلة الدولار من صعوده كعملة عالمية بعد مؤتمر بريتون وودز في عام 1944 حتى شعار "الدولار القوي" الذي أطلقه وزير الخزانة الأمريكي روبرت روبين في تسعينيات القرن العشرين. وفي عام 1995، أعاد روبين تعريف الثلاثين عامًا التالية من سياسة العملة بشعار "الدولار القوي يصب في مصلحة أمريكا".
ولعقود من الزمان، فضلت أمريكا قوة عملتها العظمى، وهي الأساس لسياسة "الدولار القوي" التي اجتذبت المستثمرين الأجانب وأسعدت المستهلكين. وصمد هذا الشعار، مما أدى إلى ازدهار استثنائي وسلع أجنبية رخيصة.
أضرار استراتيجية
لكن سياسة الدولار القوي لعبت أيضًا دورًا في التفريغ المدمر لقطاع التصنيع في أمريكا. ففي حين عزز خطاب الدولار القوي الثقة في العملة الأمريكية، لكنه أضر أيضا بالتصنيع الأمريكي (لأن الدولار كان ذا قيمة عالية للغاية)، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الصدمة الناجمة عن تدفق الواردات الصينية منذ تسعينيات القرن العشرين فصاعدا، وفي نهاية المطاف إلى إثارة رد فعل عنيف ضد انفتاح النظام الاقتصادي الدولي.
وبالاستعانة بقدرة "محسن" غير المسبوقة على الوصول إلى المسؤولين الحاليين والسابقين في وزارة الخزانة مثل روبرت روبين وستيفن منوشين وجانيت يلين، يتتبع كتاب "جنود من الورق" العواقب المقصودة وغير المقصودة لهذه السياسة، بما في ذلك صعود المشاعر الشعبوية والحرب التجارية مع الصين، التي بلغت ذروتها خلال رئاسة ترامب.
ويربط الكتاب بين استخدام الدولار كسلاح منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول والعقوبات المالية ضد روسيا، وهو الامر الذي اتضح بعده لجوء الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى الدولار كسلاح حرب.
واعتبرت "محسن" في الكتاب أن العديد من المحللين يخشون من أن يؤدي استخدام وزارة الخزانة الأمريكية للعقوبات المالية ضد روسيا بسبب حرب أوكرانيا في عام 2022 ــ وهو مثال محدد للممارسة العامة التي يشار إليها أحيانا باسم "تسليح" الدولار ــ إلى دفع البنوك المركزية والحكومات إلى البحث عن عملات بديلة، مما يؤدي إلى تآكل التفوق العالمي للدولار.
لكن إذا فقد الدولار هيمنته العالمية وبالتالي فائدته الجيوستراتيجية، فلن يكون ذلك بسبب استخدام واشنطن للعقوبات المالية دون تمييز، بل بسبب الجروح الاقتصادية الناجمة عن سياساتها الذاتية والجمود السياسي المحلي.
وتزعم صالحة محسن أن قوة ونفوذ الدولار الأمريكي أصبحا الآن على المحك، بعيداً عن العديد من الافتراضات الاقتصادية الأخرى.
ومع ذلك، تواصل البنوك المركزية والحكومات الاعتماد على الدولار ببساطة لأنه لا يوجد بديل قابل للتطبيق.
*- العين الإخبارية - ياسمين السيد هاني