من الشبهات المتهالكة كلَّ التهالُك، والتي لا يسأم الملحدون وأضرابهم إيرادَها على الكتاب المجيد، هي أن "مؤلِّف القرآن" لا يعلم أن الشمس لا تغيب، فهو يتصور - بتصوُّر بدائي - أنها تغرب في عينٍ من الماء ذات طين أسود، وهذا معنى "حَمِئَة" في قوله تعالى في الآية مُثَارِ الشبهة الهزيلة: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَة) الكهف 86، في مَعرِض حديث القرآن عن ذي القرنين.
والحقُّ أن هُزال هذه الشبهة تكاد تَبِيْنُ معه كُلاها؛ فالواجِدُ هنا هو ذو القرنين، أي إنه هكذا رآها، وليس معنى هذا أن الله يُقِرُّ ذا القرنين على ما ظَنَّهُ أنه مكان غياب الشمس، بل هو وصف لما رآه ولما ظَنَّه ذو القرنين.
وهذا في الكلام كثير، فنقول - مثلًا -: "ذاق فلانٌ العسلَ فوجده مُرًّا"، فهل العسل مُرٌّ أم أن في لسان ذلك الذائق عيبًا جعله يجد الحُلْوَ مُرًّا؟!
وهذا يجعلني أستحضر بيت المتنبي الذي قال فيه:
ومَن يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مريضٍ
يَجِدْ مُرًّا بهِ الماءَ الزُّلالا
والدليل على أن هذه الفرية واهية أشدَّ الوَهَاء، هو أن الله تعالى قال عن الشمس: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم) يس 38. فقد وصفها بالجريان وأنها لا تتوقف، ولو كان القرآن يؤيد ذا القرنين على أن نهاية رحلة الشمس كل يوم هو الانغماس في عينٍ من الماء والطين، ما وصف الشمس بالجريان الدؤوب.