ابن عباس ترجمان القرآن المزعوم

2024-08-14 11:05

 

(الترجمان المزعوم)

الصحابي الجليل، عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب، رضي الله عنه وعن أبيه، هو ابن عمِّ الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، ويومَ فاضت النفس الطاهرة للنبي الأكرم، كانت سِنُّ ابن عباس (وهو الاسم الذي عُرِفَ به) ثلاث عشرة سنة.

 

كان حادَّ الذكاء، سُؤَلَةً فُهَمَة، قال عندما سئل عن سبب حيازته للعلم: "لسان سَؤُول وقلب عَقُول". وقد نُسِبَت إليه الكثير من الإسرائيليات التي لا مُعتضَد لها ولا مُعتمَد، وإنما هي كأقاصيص الأطفال، كتفسير حرف (ن) مُستَهَلَّ سورة القلم بأنه "حوت ضخم بُسِطَت الأرض فوقه"، وغير ذلك مما لا يليق بعَلَمٍ عالِمٍ مثله.

 

ومن أكثر ما يَصِفُه به الناس هو لقب "ترجمان القرآن"، وكأن القرآن أعجميٌّ بحاجة إلى ترجمة، أو كأن ابن عباس كان يوحَى إليه بمعاني الكتاب المجيد. والحقُّ أن النبي الأكرم لم يفسر القرآن، ولا يَذكُر المفسرون في أعلى السند عَزْوًا للنبي في التفسير، وإنما ينتهون عند ابن عباسٍ ونفرٍ معه كابن مسعود ومجاهد والحسن.

 

وإذن لنا أن نتساءل: من أين جاء هؤلاء بالتفسير؟ وهل يعتبر تفسيرُهم ذا قدسية بحيث لا يُرَدّ ولا يُثَنَّى؟ وإذا كان الجواب "لا" - وهو الجواب الصواب - فلسنا ملزَمين بأقوالهم، إذ هي لا تَعْدُو أن تكون آراءهم الخاصة، شأنُها شأنُ آراء المشهورين من المفسرين، من كبيرهم الطبري مرورًا بالبغوي والقرطبي وابن كثير.

 

وأما ما زُعِمَ من أن الرسول الأعظم قد دعا ربَّه لابن عباس بأن يعلِّمه التأويل، فهو مردود من ثلاثة وجوه:

الأول: لم يكن النبي لِيَخُصَّ ابنَ عمه دونًا عن الصحب الكرام بهذا الدعاء.

الثاني: إن كان النبي قد دعا بالفعل، وقد استجاب الله بالفعل؛ فمعنى هذا أن ابن عباس كان له عِلمُ "لَدُنِيّ" خاص، كالعبد الصالح صاحب موسى عليه السلام، وهذا ما لا يقول به أحد.

الثالث: أن هذا الدعاء منافٍ لقوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) آل عمران 7، ونتوقف هنا لشديد الأهمية، ونقول:

 

يجب - وجوبا حتميًّا - الوقوفُ عند لفظ الجلالة في الآية، ثم الاستئناف من كلمة "والراسخون"، لسبين:

(أ) أن الاستئناف يعني أن الراسخين في العلم يشاركون الله في علم تأويل القرآن، وهو أمر لا يعلمه إلا الله كما سيتضح لاحقًا.

(ب) أن عبارة (يقولون آمنا به ...)، ستكون غير ذات معنى إذا كان القارئ سيَصِل الكلام فيصبح: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، ثم يقف.

 

ولمزيدٍ من الإيضاح نقول إن التأويل غير التفسير، فالتأويل يعني عِلْمَ "مآلات" كلِّ ما ذُكِرَ في القرآن. ومثاله قول يوسف عليه السلام: (يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) يوسف 100، أي هذا ما "آلَتْ" إليه الرؤيا بأنْ صارت حقيقة.

 

ولذك فإنني أكرر ما ذكرتُه غيرَ مرة، من أن كل من امتلك أدوت التفسير، فله الحق في تفسير كتاب الله، شريطة ألَّا يخالف ظاهر كلام العرب، بأن يترك المعنى المعلوم لسانًا ويبحث عن مَعَانٍ باطنية لا تمت بِصِلَةٍ لمعنى الكلمة، وشريطة ألَّا يَجْزِمَ بأن تفسيره هو الصواب ولا صواب سواه.

 

وأختم بذكر شروط تفسير القرآن، مع عدم الحَجْر على أي مسلم في أن يتدبر كلام ربه ويتأمله، وأن يسأل مَن تدبَّر قبله، وأن يعود لمعاجم اللغة لِاسْتِكْناهِ ما غَرُبَ عنه من مفردات الكتاب العزيز:

 - الإلمام بجميع علوم اللغة العربية إلمامًا تامًّا.

- القدرة على الفهم والاستيعاب والاستنباط.

- القدرة على التفكير المنطقي.

- عرض مخرجات التفسير على العقل الخالص والمنطق المنضبط بما يتواءم مع روح الإسلام ومقاصد الشريعة السمحة وسيرة النبي الخاتم.

- استقراء الآيات المتفرقة في المصحف ذات الموضوع الواحد، وضمّها إلى بعضها في سياق واحد لتكوين صورة كاملة وواضحة ولا تناقض فيها عن الموضوع.

- تفسير القرآن بالقرآن.

- مراعاة السياقات.

 

*- من نافذة الكاتب على منصة إكس