هناك نوعان من العقول: العقل المقلِّد والعقل الناقد، والأول هو الأكثر؛ ولذلك نجد "القطعان البشرية" أكثر من القادة.
وفي ظل انبجاس العقل البشري بِسُيُول جارفة من مخترَعاتِ تِقَانَةٍ جَعَلَت مكتبات العالم في جيوب الناس - حقيقةً لا مجازًا - فإنه يجب على مَن يحترم نفسه ويقدِّر ذاتَه، أن يَخرُج من القطيع ليكون طليعيًّا يقود ويُغيِّر، بدل أن يُقاد ويتم "امتطاؤه" فكريًّا كما تُمتطَى الناقة "الذلول".
"ومِن المصائبِ والمصائبُ جَمَّةٌ" كما قال طَرَفَة بن العبد، ما نراه من الإنكار الشديد من "المؤدلَجين" والـ "نُوْق" التي ذُلِّلَت، على كل مَن رَمَى الخطام الخزام والرُّمَّة والرَّسَن وألقى الرَّحْلَ عن كاهله، وثار على القطيع ذي الأفكار المُقَوْلَبَةَ المعلَّبَة والآراء المُنَمَّطَة الأُحفُورية المتحجرة، التي اخترعها وابتدعها قومٌ هم الآن عظام نَخِرَة.
أولئك الذين كان لهم زمنهم الذي أصبح ماضيًا سحيقًا، وليس من حقهم أن يُمْلُوا علينا من عالم الموتى ما يجب علينا أن نفكر به ونفعله في زمنٍ نحن أهلُه.
ولئن كانوا رجالًا فنحن رجال، ولئن كانوا يقرؤون ويفكرون فنحن نقرأ أكثر منهم ونفكر أكثر منهم؛ ذلك أن مصادر المعرفة لدينا تجعل أحدَهم أفقرَ من الفقر ذاته في مجال المَراجع والبحث والمقارنة والترجمة، وبالتالي الفهم والاستيعاب والإدراك، ثم الاستنباط والحكم في أي مسألة.
وأختم متسائلًا: لماذا تم تجميد الفكر الإسلامي بأربعة علماء؟! ما المانع من أن يكون لدينا اليوم أربعون عالِمًا؟! فإن أُمَّةً قادها القرآن المُبِيْن والعقل الصريح فأنجبت أولئك الرجال، لم تَعْقُم عن إنجاب غيرهم ولن تَعْقُم، إلا إذا قام "أناس" في الخفاء، بإجراء عملية "تعقيم" قسري كي لا يفتضح أمرهم وتنكشف سوءة فكرهم وتتلاشى هالات القداسة التي كانت تحيط بهم، فإذا هم بشرٌ مثلنا، أو أقلُّ شأنًا.