لا أزال في ريبي متردِّدًا من كون الكتاب المسمى "الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه"، الشهير بـ "صحيح البخاري"، هو - بمجموعه - للإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله؛ ذلك أن الرجل كان محمود السيرة، بعيدًا عن مَظِنَّة الكذب على الناس فكيف بسيد الناس؟!
ولذلك فكل ما نَصُبُّه من سياط الغضب لله والرسول على كل ما قدح فيهما من مرويات هذا الكتاب، فهو واقعٌ على مَن نَسَب تلكم الأقاويلَ للبخاري، ولا نقول له ولهم إلا (إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون).
وإنني أتعجب ممَّن أخذوا ما بين دفَّتَي هذا الكتاب قرآنًا لا يُمَسُّ ولا يُجَسّ، وأخص بالذكر هنا ما ورد فيه عن صفات الله جلَّ شأنه.
فهم يُسَمُّون المنَزِّهين لله عن التَّعْضِيَة والتجزئة بـ "المعطِّلَة"، في حين لا يخشى أحدُهم اللهَ أنْ شَبَّهَهَ بمخلوقاته حين زَعَمَ وخَرَقَ له أعضاءً وأجزاءً.
وحتى إن رَدَّدُوا تلكم العبارة المعلَّبَةَ التي يتوارثونها منذ مئات السنين "نُثبِت لله ما أثبته لنفسه دون تشبيه وإنما بما يليق به"، وهل تشبيهٌ أكثرُ من الزعم بأن لله – تعالى – أعضاءً هو بحاجة إليها كما تحتاج المخلوقات إلى تلكم الأعضاء؟! ثم أين أثبت الله لنفسه ساقًا وقَدَمًا ورِجْلًا في كتابه المعظَّم؟!
فهو يحتاج إلى الرِّجْلَين كي يمشي بهما ويَطَأ بإحداهما جهنم حين تُكثِرُ من قولها: "هل من مزيد" يوم الدين (البخاري 4850، وفي 7449 "قَدَمه" بدل "رِجْله").
وهو بحاجةٍ إلى ساقٍ مُغَطَّاةٍ يكشف عنها يوم العرض الأكبر فيسجد له الناس (البخاري 4919).
وهو بحاجة إلى التنكُّر في جسم بشر يمشي بين الناس في العرصات قائلًا للناس: "أنا ربكم"، وبعدَما يَرُدُّونَه شَرَّ رَدٍّ وصَدٍّ بقولهم: "نعوذ بالله منك"؛ يسألهم" "بماذا تعرفون ربكم؟"، فيقولون: "نعرفه بِسَاقِه" (ولا أعلم أين رأَوْها من قبل!!) فعندئذٍ يكشفها لهم كي يعرفوه فيُعطُوه حقَّ التبجيل الإلهي ويسجدوا له (البخاري 6573).
وهو مُنْحَكِمٌ بالمكان متموضعٌ فيه، ويجري عليه التنقل كما يجري على الخلق، إذ ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، فهو إذن أصغر منها وهي أكبر منه، تعالى الله عن ذلك (البخاري 7494).
في حين يوصَفُ - بل يُسَبّ - بالتعطيل مَن قال إن الله مُتَعَالٍ عن الأفهام والأوهام والخيالات والأحلام، وأن العقل يسقط دون بلوغ العتبات الملكوتية المَهِيبَة للذات المتقدِّسة، وأنه لا مثيل له ولا شبيه.
وأنه لو تَجَلَّى العقل البشري – وغير البشري – وتفوَّق على تَقَزُّمِه وناشَ منتهيات الخيال، فليس ثَمَّ ما يقترب من إدراك ما يمكن أن توصف به تلك الذات التي أبدعت كلَّ ذات، والتي بها تقوم الأشياء والكائنات، وقد – واللهِ – أحسَنَ مَن قال: "كلُّ ما خطر ببالك، فالله على غير ذلك".
فاللهم إننا نعتذر إليك عمَّا قال الجاهلون منا، ولا نقول إلا: سبحانك ما قَدَرناك حقَّ قدرك، ولك العُتْبَى يا إلهنا العظيم حتى ترضى.