أحد الأصدقاء غير الراضين عن مؤتمر الحوار الجنوبي والرافضن لأي حديث عن استعادة الدولة الجنوبية، بعث لي بمقالة لكاتب يقدم نفسه على إنه رئيس مكون سياسي جنوبي، لا أحد يعرف كم عدد أعضائه ولا هيئاته ولا برنامجه السياسي ولا ما هي مطالبه، باختصار الرئيس هو المكون والمكون هو الرئيس.
الكاتب- الرئيس كرس كل مقالته الطويلة العريضة للشتم والتجديف والتجريح والقذف لكل الحاضرين المشاركين في جلسات الحوار الجنوبي متهماً إياهم بالمناطقية وإن الحوار مناطقي، وأن القائمين عليه مسكونين بالرعونة ونزعة التفرد وتحقيق مصالح مناطقية، وكل ما تبقى من المعزوفة البالية التي أعدتها مطابخ صنعاء بداية الحراك الجنوبي السلمي 2007-2008م ، واستنفدت مضمونها منذ نحو عقد ونصف ولم تعد صالحة للاستخدام بفعل تقادم الزمن وانتهاء فترة الصلاحية.
ويذيل صديقي ما بعد الرسالة برسالة صوتية لشخص مجهول من المعتوهين الذين لا يختلفون عن صاحب المقالة في شتم ولعن مناطق بعينها وأفراد وقادة بعينهم ، مستنداً على أخطاء يفترض أن ثقافة التصالح والتسامح قد طوتها، ثم يختتم صديقي كل جهده بتساؤل استنكاري: هل رأيت كم هم مناطقيون وكم يملأ الحقد قلوبهم!!
قلت لصديقي: إذا كنت تقصد بالمناطقية أن كل مناطق الجنوب من المهرة إلى باب المندب ومن سقطرة إلى مكيراس وبيحان قد شاركت في الفعالية الحوارية الأولى في تاريخ الجنوب، فأنت محق؟
لقد حضر الفعالية ابن صحراء ثمود بجانب ابن خور العميرة والمضاربة، وابن الحضن ومودية بجانب ابن ردفان وسقطرة وحافة حسين بعدن، وشارك في الفعالية ابن بيحان وزنجبار ومديرية قصيعر بجانب ابن مديرية الازارق والحد وعتق وسيئون، وتحدثت بنت المكلا مثلما تحدث ابن المعلا، وقدم صاحب مشألة شعرا مثل ذاك الذي قاله ابن الشحر بحضرموت أو عزان بشبوة، ووقع على ميثاق الشرف أسماء وأعلام من كل مناطق الجنوب رغم أن توقيعاتهم جاءت باسم مكونات سياسية ومهنية وحزبية.
إذا كانت تلك المناطقية التي تقصدها فإنني أوافقك إطلاق النعت على المنعوت، وشخصياً أعبر عن اعتزازي بهذه المناطقية وأطالب بتجذيرها والحفاظ عليها وتعميمها في كل الفعاليات والهيئات والمناسبات، أما السخط على حدث وطني هام على مستوى الوطن والتاريخ كله، حدث لم يشهد له التاريخ الجنوبي مثيلا منذ عقود وربما قرون، فإنني أنصحكم بالبحث عن سبب آخر يجعلكم تسخطون كل هذا السخط على ما أجمع عليه غالبية الجنوبيين.
وانهيت حديثي لصديقي بالبيت العربي الشهير:
وعينُ الرٍّضى عن كلٍّ عيبٍ كليلةٌ
ولكن عين السخطِ تبدي المساوئا
* * *
وبعيدا عن حديث المناطقية السمج لا بد من الاعتراف بأن اختراقاً كبيراً قد أحدثه انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الجنوبي والمخرجات التاريخية التي تمخض عنها، وأهمها ميثاق الشرف الوطني الجنوبي الذي وقعته كل المكونات المشاركة في الفعالية الحوارية الجنوبية.
بيد أن هذه البهجة التي ت تغمر غالبية المواطنين الجنوبيين اليوم وهم يستمعون إلى البيان الختامي ويتابعون النقاشات والتصريحات ينبغي أن لا تنسينا حقيقة هامة وجوهرية تحوي من التحذير والإنذار أكثر مما تتضمن من الطمأنينة والاستكانة وهي إن التحدي الكبير لم ينتهِ بمجرد إعلان البيان الختامي والتوقيع على ميثاق الشرف الجنوبي، بل بالعكس إنه إنما بدأ للتو وهو ما يعني أن على الجميع اليوم وفي المقدمة قيادة المجلس الانتقالي وقادة المكونات السياسية المشاركة، ومعها اللجان المنبثقة عن أعمال المؤتمر أن يشرعوا في رسم برامج عملهم وأن على القيادة الجنوبية اليوم أن تنتقل من موقع الدفاع عن الحق الجنوبي والتمترس وراء الخطاب الثوري التحريضي إلى موقع الصراحة السياسية مع الشركاء الإقليميين وممثلي الطبقة السياسية الشمالية أن الشعب الجنوبي لم يعد بمقدوره الصبر طويلا على آلام تأبين الميت الذي لم يعد من الممكن بعثه من القبر بعد كل هذه السنين، وبنفس الوقت على الجميع الكف عن لغة التحريض والتهييج الإعلامي الثوري والانتقال إلى خطاب الواقعية السياسية الذي يكشف الحقائق المرة ليبحث عن وسائل علاجها بعيدا عن الشطح والهنجمة الثوريين المتعاليين على الواقع والوقائع.
وللحديث بقية