كان من بين القرارات التي اتخذها الرئيس عبد ربه منصور هادي بالتزامن مع قراره نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، قرار تشكيل هيئة التشاور والمصالحة التي جرى اختيار زميلي الأستاذ محمد عبد الله الغيثي رئيسا لها والأساتذة عبد الملك المخلافي وصخر الوجيه وجميلة علي رجاء وأكرم العامري نوابا للرئيس.
ولأن الكثير من الأمور المتعلقة بعمل الهيئة ومهماتها واتجاهات نشاطها لم تتضح بعد، ولم يحددها بعد قانون أو حتى لائحة عمل، فإن الاجتهاد يظل هو المصدر الوحيد الذي يمكن من خلاله بناء التصورات والتوقعات والمواقف حيال هذه الهيئة ، خصوصا وإن البلاد المسماة بالجمهورية اليمنية تستدعي عشرات المصالحات المتصلة بصراعات ستة عقود ونيف من الزمن.
وبعيدا عن التجاذبات والتداعيات المتصلة بعدد من الثنائيات: الداخل والخارج، الحرب والسلام، الشرعية والانقلاب، الشمال والجنوب، الوحدة وفك الارتباط، وغيرها فإن القضية الجنوبية تمثل النقطة المركزية في اي حديث عن أية مصالحة.
والسؤال الأساسي في هذه القضية هو: هل غيرت القوى السياسية اليمنية وخصوصا تحالف حرب ١٩٩٤م وأنصاره، من نظرتهم للقضية الجنوبية واقتنعوا بمشروعية مطالب الشعب الجنوبي باستعادة دولته وبناء نظامه الجديد المستقل. أم إن سياسة المراوحة والمرواغة والمفردات الزئبقية تظل هي سيدة الموقف السياسي للأشقاء من القوى السياسية الشمالية؟
ان حديثنا عن تحالف ١٩٩٤م ينطلق من حقيقة أن هذا التحالف هو من اطاح بالمشروع الوحدي ومحاولة بناء دولة الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية، وعلى موقف هذا التحالف يتوقف مدى جدية التعامل مع القضية الجنوبية من عدمها.
ليست القضية الجنوبية بحاجة إلى تفسير المفسرين وفذلكة المفذلكين وتنظيرات المنظرين، فقد أُشبِعت نقاشاً وتفسيراً وتمحيصاً طوال ١٢ عاماً حتى لم يعد هناك مجالاً لإضافة اي جديد حول طبيعتها ومضمونها ومآلاتها المنتظرة.
إن نقطة الانطلاق في التعاطي مع القضية الجنوبية تتمحور في أهمية الإقرار بفشل محاولة توحيد الدولتين في دولة اندماجية واحدة ، ولم تكن حرب ١٩٩٤م على الجنوب وما تلتها من تداعيات مأساوية على حياة المواطنين الجنوبيين، ما تزال آثارها تتوالد وتتكاثر يوماً بعد يوم، لم تكن هذه الحرب إلا ذروة التعبير عن هذا الفشل، ومن يقول عكس هذا عليه أن يبرهن صحة ما يقول.
فإذا ما استوعب الأشقاء من ورثة الجمهورية العربية اليمنية هذه الحقيقة وتيقنوا انه لا سلام ولا أمن ولا استقرار ولا تنمية ولا حتى تعايش إلا في ظل احترام إرادة الشعبين واستعادة الدولتين المستقلتين فإنهم بذلك سيكونون قد قطعوا نصف الطريق للذهاب باتجاه مصالحة حقيقية تؤدي إلى حالة من الانفتاح والتعايش والاستقرار وبناء شراكات جديدة متعددة المجالات بين الشعبين والدولتين الشقيقتين، أما إذا بقيت القضية عند اعتبار ٧/٧ وما تلاه من تداعيات نهايةً للتاريخ، فإن أي حديث عن أية مصالحة لن يكون إلا نوعاً من الترف السياسي الأقرب إلى العبث منه إلى التعامل الجدي مع التحديات الماثلة امام الشعبين الشقيقين.
وبدون الذهاب باتجاه مصالحة حقيقية تقضي على اساس الداء وتستاصلة من الجذور فإن الامر لا يتعدى دائرة المجاملات البروتوكولية والعلاقات العامة، وما يسميه العرب ببوس اللحى والطبطبة على الظهور، مما لا يحقق اية نتيجة سوى استبقاء عوامل النزاع واسباب الحروب وبذور الضغينة كامنةً وتاجيل اندلاعها مؤقتا.
والله ولي الهداية والتوفيق.