قبل سنوات التفت العالم مندهشاً بإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة أنها تخطط للاحتفال بتصدير آخر برميل من النفط، انشغلت الأسواق المالية وأكبر الاقتصادات بهذا الحديث، فهو صادر عن بلد يعتمد في إيراداته على تصدير البترول منذ عقود طويلة، فكيف تخطط هذه الإمارات إلى أن تتحول للاعتماد على موارد أخرى غير نفطية؟ لم يكن الإعلان عابراً، بل كان عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان آنذاك ولي عهد أبوظبي.
الإمارات أسست في 2006 شركة «مصدر» لتكون نواة لما هو بعيد عند الآخرين، وفي متناول اليد عند الإماراتيين، فلقد جاءت فكرة المشروع على أن تنتج الشركة الطاقة النظيفة، وتستثمر في الموارد المتاحة داخل الإمارات، لتقدم حلولاً مستدامة للطاقة الكهربائية لتوفير الاستهلاك المحلي من المنتجات البترولية، وما حققته الشركة من موارد كان محفزاً لتوسيع مشاريعها حول العالم، ما كان مشروعاً محلياً أصبح في 2009 الشركة الأهم في إنتاج الطاقة المتجددة على كل دول الشرق الأوسط، بقفزة أكدت أنه من الممكن الاستثمار في مجال لم تتجه له الأنظار بعد.
هدف الإمارات في عام 2050 هو الاعتماد الكلي على اقتصاد غير نفطي من أجل الحفاظ على بيئة سليمة، وتخطط الإمارات لتعزيز استدامة الطاقة النظيفة، وتسريع التحول المناخي عبر كثير من المبادرات والاستراتيجيات الهادفة، كما أنها اتخذت خطوات مُبكرة ومتواصلة نحو الاستعداد لوداع آخر قطرة نفط، وتحقيق التوازن بين التنمية والحفاظ على بيئة نظيفة وصحية وآمنة، حيث تستهدف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية. لذلك تقرر الاستثمار بـ 600 مليار درهم حتى عام 2050، لضمان تلبية الطلب على الطاقة، واستدامة نمو الاقتصاد المحلي.
هنا جاءت مواءمة المعايير وتدخل المرحلة العملية لتنفيذ الرؤية الوطنية، وهو ما مكنها من امتلاك ثلاث من أكبر محطات الطاقة بالعالم، تتضمن محطة براكة للطاقة النووية النظيفة، ومشروع نور أبوظبي، بالإضافة إلى مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، هذه المشاريع شكلت ذراعاً استثمارية قوية في الطاقة المتجددة، ما أطلقت منه الإمارات مشروعات كبرى في المنطقة العربية والعالم، فكانت مشاريع الطاقة في مصر والمملكة المغربية والأردن والسعودية والمملكة المتحدة وأستراليا وأذربيجان وأوزبكستان وبولندا وصربيا، نقلاً لنجاح التجربة المحلية والاستثمار العالمي، ما أكد القدرة على نجاح المواءمة داخلياً وخارجياً.
رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، هي تحويل التحدي إلى فرصة نجاح، تماماً كما حول المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تحدي قيام دولة الاتحاد إلى فرصة سياسية ناجحة استطاعت الوقوف في زمن سياسي صعب وفي وقت مضطرب، لتكون دولة مبهرة، ونموذجاً سياسياً فريداً في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. وعلى النهج ذاته، تحولت تحديات الزراعة والصناعة إلى فرص نجاح، كما استطاعت الإمارات أن تكون نقطة ارتكاز اقتصادي عالمية عبر اكتساب شراكات تقوم على الثقة وتحقيق أعلى معايير الأمن والاستقرار.
هذا ما جعل الإمارات منذ اتفاق باريس للمناخ 2015، تمتلك الريادة بخطوات عملية لما لديها من أرصدة مكنتها لتكون لاعباً محورياً في مجال حيوي للتعامل بمسؤولية وإدراك لتحقيق أهداف مخرجات اتفاقيات المناخ بخفض الانبعاثات العالمية، وتحقيق الحياد المناخي، لذلك تنظر الإمارات لانعقاد مؤتمر الأطراف «كوب 28» بجدية كبيرة، وهي عازمة على تحويل الأهداف الدولية إلى مرحلة التنفيذ، ولديها الخبرة الكاملة في ذلك تماماً، وعليه جاء قرار تكليف الدكتور سلطان الجابر لتولي رئاسة المؤتمر الدولي الذي سينعقد في دبي 2023، فالشخصية التي حققت المعادلة المستحيلة قادرة على قيادة العالم للمواءمة في الانتقال نحو استدامة عالمية يمكنها أن تحقق للبشرية حياة آمنة على كوكب الأرض الذي عليه أن يعيش من دون خشية من عواقب التغيرات المناخية التي تكلف الدول من أمنها الغذائي.
سلطان الجابر شخصية قيادية من مدرسة الشيخ محمد بن زايد التي تنجب الكفاءات القادرة على تحويل المستحيل إلى ممكن في بلد لا يعرف المستحيلات ويحولها لفرص نجاحات، المهمة ممكنة في نظر الإمارات وإن كانت صعبة في أعين الآخرين وحساباتهم والرهان على ما صنعت اليد الإماراتية وما ستصنعه للعالم، فالوطن الذي سافر إلى المريخ بحثاً عن فرصة حياة قادر على قيادة الأرض كلها للحصول على فرصة للبقاء.