له أسلوبه الفريد، وطريقته البسيطة السهلة، في إيصال ما يريد من معلومات وقيم وأخلاق إلى عقول وقلوب الناس، ولذلك أقبلت عليه الجماهير المسلمة المتعطشة لمعرفة تعاليم ومبادئ وأخلاقيات دينها في كل مكان وجد فيه، وكل فضائية أطل من خلالها .
إنه الداعية الإسلامي الحبيب بن علي الجفري رئيس مؤسسة طابا للدراسات الإسلامية الذي لايتوقف عن تحذير الدعاة وخطباء المساجد من تحويل المنابر إلى وسيلة للترويج السياسي
أو الطائفي، خاصة في ظل حالة الحرية أو الفوضى التي يشهدها العالم الإسلامي، كما يحذر من محاولات تسييس الدين لأن الإسلام هو الوعاء الجامع لكل أمور الحياة، ولا يجوز أن يكون وسيلة في يد فرد أو جماعة لتحقيق أهداف دنيوية رخيصة .
وهو أيضاً لا يكلّ ولا يملّ من حث الدعاة والجماهير معاً على الاحتماء ب “الإسلام الوسطي”، باعتباره الأمل الوحيد لخروج المسلمين من النفق المظلم، كما أنه يرى أن المسلمين في حاجة لتوحيد كلمتهم حتى يستطيعوا حمل رسالة الإسلام إلى البشرية في العالم أجمع .
“الخليج” التقته في القاهرة وحاورته، وهذه خلاصة ما خرجنا به من لقائنا به:
دعاة “خالف تعرف” وراء انتشار فوضى الفتاوى
كيف تقرأ واقع الأمة الإسلامية في ظل الظروف الحالية البالغة الحساسية والتعقيد؟
- الأمة الإسلامية اليوم تمر بمنعطف خطر للغاية، خاصة أن المسلمين ومزقوا من الخلافات والنزاعات والحروب المعلنة والباردة، فالروابط التي أوجدها القرآن الكريم والسنة النبوية بقيت عند حد النصوص التي يتعبد بها ولم يبق لها على أرض الواقع أثر يذكر، ولم يعد الأمر خافياً على أحد بعد أن رأينا حال كثير من الدول الإسلامية وما انتهى إليه من ترهل وتفكك، ومن هنا يمكن القول إن واقع الأمة لا يرضي مسلماً عاقلاً من قريب ولا من بعيد في الوقت الحالي، مع أن التحديات التي تواجه الأمة كثيرة، ونصوص القرآن الكريم تجعل وحدة المسلمين من فروض العين، وعلى النقيض من هذا رأينا الدول الأوروبية التي عاشت حربين عالميتين تتوحد من أجل مصالحها، لأنها أدركت أن قوتها في وحدتها، وحالة التمزق السياسي في دول العالم الإسلامي بدت واضحة من بداية التسعينات من القرن الماضي ولاتزال تظهر وتخفت بين فترة وأخرى، وعلى المسلمين أن يلتفتوا إلى القرآن الكريم عندما قال: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”، ونحن المسلمين تنازعنا ففشلنا وذهبت قوتنا ولم تعد لنا كلمة في المحافل الدولية بمثل ما كان عليه حالنا في الماضي .
تحديات خطرة
ماذا عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية؟
- الله سبحانه وتعالى حبا العالم الإسلامي بما يمكن أن يحقق تكاملاً اقتصادياً يجعل أبناءه يعيشون حياة طيبة كريمة، ومع ذلك أساء كثير من المسلمين استخدام هذه النعمة، وانعكس التحدي الاقتصادي على واقع الأمة فظهرت أزمة البطالة حتى في الدول العربية والإسلامية الغنية، إضافة إلى الأموال المهاجرة التي تزيد على 2000 مليار دولار في البنوك الغربية ولو ردت إلى ديار الإسلام ما وُجد في الأمة فقير ولا عاطل، أما على الصعيد الاجتماعي فالتحديات كثيرة، ففي السنوات الأخيرة وجدنا تحدياً بالغ الخطورة للأسرة المسلمة، حيث رأينا التمرد في كثير من الأحيان في إطار العلاقات الزوجية بدعوى المساواة والصراع على مسكن الزوجية وغير ذلك من المشكلات التي تهدد كيان الأسرة المسلمة، وكذلك هناك تحدٍ خطر يتعلق بالجانب الأخلاقي، فالغرب أحرص ما يكون على ضرب الأخلاق، باعتبارها الصورة الجمالية للمجتمع الإسلامي، وباعتبارها عاملاً من عوامل الربط بين المسلمين، ولذلك رأينا في الآونة الأخيرة جهوداً تبذل من أجل التحلل من القيم الأخلاقية، من خلال الإعلام الموجه، بجانب تحديات السياسات التعليمية المضطربة التي تتأثر بمقترحات وافدة نتج عنها واقع تعليمي ضعيف وعقيم، ورغم ذلك هناك بارقة أمل في بعث جديد في بعض الدول التي تعمل للنهوض واستعادة الحضارة الإسلامية .
خطاب عقيم
هل ترى أن عقم الخطاب الدعوي من أسباب ضعف المسلمين في مواجهة تلك التحديات؟
- هذا صحيح إلى حد بعيد، فالخطاب الدعوي غرق في الفترة الأخيرة إما في الصراعات السياسية وإما في الغيبيات، ولهذا فنحن في حاجة ماسة إلى تعديل الخطاب الإسلامي بأقصى سرعة، بحيث يكون هذا الخطاب نابعاً من مشكاة الإسلام وبصورة صحيحة، وألا يكون قائماً على أساس الإفراط والتفريط في المواءمة، وأن يكون متصلاً بحاجات الناس الأصلية لا الحالة العارضة، وأن يؤدي إلى الالتقاء لا الفرقة، ويقوم على المعلومات الصحيحة .
هل الخطاب الإعلامي سبب في تشويه الخطاب الإسلامي؟
- لا يختلف اثنان على أن الإعلام له دور كبير في تشويه صورة الخطاب الإسلامي، لكن دعاة الإسلام والمتحدثين باسمه هم الأساس في هذا التشويه، خاصة أنهم شغلوا الناس بأمور هامشية لا علاقة لها بهموم الواقع ومشكلاته، كما سيطرت على أحاديثهم توجهات طائفية، حيث ظهرت تيارات دينية متصارعة على مصالح وأطماع سياسية واقتصادية .
ولذلك لا بد أن يعود دعاة الإسلام إلى رسالتهم الحقيقية وهي دعوة الناس إلى دين الله، وتبصير الجماهير بحقائق ومحاسن هذا الدين العظيم وأن يتركوا السياسة لأهل السياسة .
مشغولون بالسياسة
هل ترى أن الدعاة أصبحوا مشغولين بالسياسة أكثر من الدعوة؟
- هذا صحيح إلى حد كبير، وهو أمر مؤسف، فالدعاة لهم وظيفتهم التي لا يستطيع أن يقوم بها السياسيون، وعليهم أن يتركوا السياسة لأصحابها، وينشغلوا بواجباتهم ومهامهم .
والواقع أن القائمين على الخطاب الإسلامي في بلادنا العربية صنفان: العلماء المراجع الذين يرجع الناس إليهم في الفتوى وفهم الصحيح من الدين، والدعاة والمصلحون الذين يعظون ويحببون فعل الخير إليهم، والمراجع لا ينبغي أن يكونوا بحال طرفاً في تنافس أو صراع له طابع سياسي، لأنه عند اختلاف الأطراف السياسية على أمر له علاقة بالدين ينبغي أن يرجعوا إلى العلماء المراجع، فإذا أصبحوا هم طرفاً في الصراع فكيف يمكن الرجوع إليهم؟ وإذا اختار أحد المراجع أن يخوض في الصراع أو التنافس السياسي، فلا يصح الرجوع إليه هو في هذا الموضوع، وأكرر أنه لا ينبغي للعلماء المراجع أن يكونوا طرفاً في تنافس سياسي، أما الصنف الثاني وهم الدعاة والمصلحون فأمرهم أقل خطورة من حيث الفصل في الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الشأن، ومن ثم إذا شارك أحدهم في الميدان السياسي فله ذلك شريطة ألا يحوّل المنبر إلى الدعاية الانتخابية .
هل إقحام الدين في السياسة يؤثر فيه؟
- الدين الإسلامي دين دعوة وعلم وفكر وسياسة واقتصاد، دين حياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لكن على كل فريق أن يؤدي دوره ويقوم بواجباته في ظل التوجيهات والقيم والأخلاق الإسلامية، وبحيث لا تتحول الدعوة إلى سياسة، ولا يوظف الدين لتحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية . . وهكذا .
إن خلط الأوراق يضر بالجميع، بالمتدينين وبالساسة والسياسة، أما الدين هو دين الله فلا شيء يمكنه الإضرار به، وانظر اليوم كم من الدماء تسيل تحت لافتة الدين أو باسم الدين، ولذلك فنحن نرفض تسييس الدين، لأن الإسلام هو الوعاء الجامع لكل أمور الحياة وهو القادر على ضبطها وتوجيهها لما يخدم البشرية ويحقق مصالحها في جميع المجالات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية .
كارثة حقيقية
كيف ترى الدعاة الجدد الذين اجتاحوا الفضائيات؟ ولماذا تراجع العلماء المستنيرون؟
- كثير من الفضائيات في الوقت الحالي تلجأ إلى عنصر الإثارة لجذب أكبر قاعدة من الجماهير من دون النظر إلى تحقيق هدف التوعية الدينية، لما سيحققه هذا الأمر من أرباح وهذه كارثة حقيقية، ووجود هؤلاء الدعاة الجدد الذين يعتمد معظمهم على لباقة الحديث ومبدأ “خالف تعرف” أدى إلى انتشار فوضى الفتاوى بين المسلمين وإلى الفوضى الفكرية والدينية بين أبناء الأمة الإسلامية، ووجود هؤلاء ليس عائداً إلى تراجع دور العلماء الموثوق في علمهم، كما يزعم البعض، لأن العالم المتخصص الذي يخاطب الناس بوسطية الإسلام قليلاً ما نجده على الفضائيات لأن هذه الفضائيات لا يعنيها بث الفكر الديني الصحيح بقدر ما يعنيها رفع نسب المشاهدة والأرباح وهذه النسب لا ترتفع إلا من خلال الإثارة التي يشارك فيها للأسف هؤلاء الدعاة، ونحن لا ننكر على أحد أن يقوم بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ولكن ليس معنى ذلك أن تصبح الدعوة مرتعاً لمن ينصبون أنفسهم دعاة ومفتين يحللون ويحرمون من دون وعي بأصول الأحكام، فهذا يؤدي إلى بلبلة كبيرة داخل المجتمعات الإسلامية .
معنى ذلك أنك ترى أن الدعاة الجدد سبب في فوضى الفتاوى؟
- بالتأكيد هؤلاء أحد الأسباب في انتشار فوضى الفتاوى على الفضائيات، التي يعانيها المسلمون بشدة خلال الفترة الحالية، ونحن نرفض الفتاوى الفردية، ونؤكد أنها يجب أن تكون مؤسسية من الجهات والمؤسسات المتخصصة في الفتوى، إضافة إلى المجامع الفقهية المنتشرة في ربوع العالم الإسلامي وهي كثيرة وزاخرة بالعلماء، وقادرة على تأصيل الفتوى بشكل علمي وديني يساعد على أخذ الناس بتعاليم دينهم بشكل صحيح .
تصحيح الصورة
صورة ديننا مشوهة ومنفرة في عيون الغربيين . . كيف نصححها؟
- لابد أن نعمل على تأهيل المتحدثين باسم الإسلام، بحيث ينجحون في تجسيد الوسطية في تقديم الخطاب المعاصر والبعد عن الغلو والتشدد وقبول الآخر واحترام التعددية، وهذه الثقافة التي سيكونون محملين بها سوف تمكنهم من تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام خاصة في الغرب، ولا بد أن يعي الجميع أن تصحيح صورة الإسلام في العالم وتقديم خطاب ديني ينطلق من الثوابت الإسلامية ويتناسب مع روح العصر نحن نعتبره بالفعل مشروعاً قومياً للأمة الإسلامية، ويجب أن ينصهر فيه الجميع لتحقيق الهدف الأسمى، وهو دحض الشبهات التي يحاول البعض إلصاقها ظلماً بالإسلام، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن هذا الدين الحنيف .
هل نحتاج إلى ثقافة حوار جديدة ومختلفة؟
- الحوار مع الآخر بشكل عام يقبله الشرع ويحبذه، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم حاور اليهود والنصارى وحاور منكري البعث ومنكري الرسالات السماوية، وحاور الجميع بمنطق العقل والحجة، فالحوار مفيد لنا باستمرار لأنه يعرض منطق الإسلام وحججه الواضحة، وفي الأغلب الأعم يترك أثراً إيجابياً في نفسية الطرف الآخر وفي عقله ويكشف سماحة الإسلام وقوته، إن المسلمين تجمعهم الأخوة الإنسانية بكل البشر، وبالتالي من المهم أن يكون هناك تفاهم بيننا وبين اتباع الأديان الأخرى حتى ولو كانت أديانا وضعية حتى نوضح لهم حقيقة إسلامنا .