قال ناشر وكاتب صحفي إن "القيادات الجنوبية المنضوية ضمن الجبهة القومية كانت تفتقر للرؤية الإستراتيجية وتتأثر إلى حد الإرتهان لأفكار القومية والتبعية لمصر والإشتراكية، ولم تكن مؤهلة بمافيه الكفاية لاستلام وإدارة دولة وشعب وأرض فوقعت الواقعة".
وقال الكاتب "عادل المدوري" في موضوع بعنوان " في ذكرى الـ30 نوفمبر.. قصة كفاح لشعب الجنوب لم تكتمل" أطلع عليه محرر "شبوة برس" وجاء نصه:
في مثل هذا اليوم من عام 1967 يحتفل شعب الجنوب العربي بعيد الإستقلال الوطني أو الجلاء وهو تاريخ جلاء آخر جندي بريطاني عن الأراضي الجنوبية بعد أن سيطر الاحتلال البريطاني، على الأرض لأكثر من قرن وربع القرن، وتحديداً من 19 يناير 1839م وحتى جلاء المستعمر منها في 30 نوفمبر 1967م، بعد 128 عاماً من الاحتلال.
خرجت بريطانيا وتنفس شعب الجنوب الصعداء، معتقدا بإنه طوى صفحة الإستعمار وسيعيش الحرية والسيادة على أرضه، وإن نضاله الكبير قد توج بالإستقلال المجيد ولم يكن في حسبانه إن سرطاناً يمنياً وإستعماراً جديدا بدأ يتشكل من رحم الجبهة القومية، فأنتشر مع توطيد أوضاعها في الجيش والشرطة والنقابات وفي صفوف المثقفين الشبان، حتى وصل إلى السيطرة التامة.
شعب الجنوب كان مغيباً تماماً، وهذه غلطته الكبيرة، بينما كانت عصابة من السياسيين الطائشين يفصلون له ثوباً ليس بثوبه، فتوالت الأخطاء الكارثية وبدأ منذ الوهلة الأولى عند التسمية، فالعملة والوثائق والأدبيات تقول إنها دولة الجنوب العربي، لكن رغبات القادمين من اليمن التعيس، كانت تريد وضع بذرة الشر وإدخال مسمى اليمننة الذي لم يكن يعرفه شعب الجنوب طوال تاريخهم.
رسمت الخطة وتمت بنجاح والسبب إن القيادت الجنوبية المنضوية ضمن الجبهة القومية كانت تفتقر للرؤية الإستراتيجية وتتأثر إلى حد الإرتهان لأفكار القومية والتبعية لمصر والإشتراكية، ولم تكن مؤهلة بمافيه الكفاية لاستلام وإدارة دولة وشعب وأرض فوقعت الواقعة.
تمت العملية بنجاح وتم ضرب الجنوب في القلب، حيث تغيرت الهوية تدريجياً حتى لا يصدم الناس، من الجنوب العربي إلى جمهورية اليمن الجنوبية ثم إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وأدخلوا إيدلوجيا الإشتراكية العلمية في مجتمع مسلم محافظ، وطست الهوية تماما ودمرت مرجعياته القبلية والدينية، ولم يتبقى سوى العودة إلى صنعاء والذي تأخر حتى العام 1990 بسبب ممانعة الجيش الجنوبي وبعض القيادات.
من المهم جدا أن نعود ونقرأ تاريخنا وننتقده ونستخلص الدروس والعبر ونقارنه بما يحدث اليوم حتى لا نقع في نفس الأخطاء التى دفعنا بسببها ثمناً باهضا جدا، والربط والمقارنة مفيدة بين قيادة الاستقلال الأول الجبهة القومية وجبهة التحرير وقيادة الاستقلال الثاني المجلس الانتقالي الجنوبي، وضرورة تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
قيادة الإستقلال الأول غلبت عليهم سياسة العنف وإقصاء شركائهم في جبهت التحرير وشهدت مواجهات دامية بينهم في عدن ولحج، بينما اليوم يحسب للإنتقالي إنه يفتح ذراعية للحوار حتى مع المعادين لمشروعه، كما إن قيادة الاستقلال الأول لم تأتي من الميادين والجبهات ولم يكن هناك حراك بل أن بريطانيا هي من قررت الخروج ووضعت تاريخ الخروج في يناير 1968م فسارعت الجبهة القومية لإختطاف الدولة قبل إكتمال نموها وموعدها وأخترعت المناوشات وسيطرت بطرق ملتوية على عدن عبر إختراق النقابات لتضطر بريطانيا إلى تسليمها عدن ومرافق الدولة باعتبارها الأقوى في تلك الفترة.
لم تخرج مليونيات لتفويض الجبهة القومية كي تكون ممثلة شرعية مثلما حصل مع المجلس الانتقالي الجنوبي ولم تكن لها قواعد شعبية في محافظات الجنوب، وكان حضور جبهة التحرير في بقية المحافظات أقوى من الجهة القومية التي فرضت نفسها من خلال النقابات ومعظمها لجبالية يمنية من تعز.
الإختلاف الجوهري بين الجبهة القومية والمجلس الانتقالي هو أن الجبهة القومية أسست لهدف ألغاء الهوية الوطنية الجنوبية وتعمدت طمسها، بينما الإنتقالي جاء لاعادتها ووضع هوية شعب الجنوب قضيته الرئيسية، وهذه هي لب القضية وأساس الصراع.
هذه المقارنة لاتعني أن المجلس الانتقالي ليس فيه أخطاء و100%، بل هناك أخطاء ولعل أبرزها الفساد في بعض القيادات التي ذهبت تعمل لمصلحتها الخاصة بالاستحواذ على الأراضي والتجارة وحماية النافذين وتركت قضية شعب الجنوب، كما إن هناك تسلل للشماليين والعفافيش في بعض إدارات الانتقالي، فلو تم التركيز على هاتين النقطتين وقلصت بقدر الإمكان، سأضمن لكم دولة أوروبية على أرض الجنوب وخلال عشر سنوات فقط.
لذلك نحن نكرر ونقول لقيادتنا قيادة الاستقلال الثاني في الانتقالي الجنوبي، من فضلكم إقرأوا التاريخ وأستفيدوا من الأخطاء الماضية، ولا تبهركم السلطة والجاه والمال وتنسوا تاريخنا القريب جداً، فالطريق أمامكم مليئة بالألغام والكمائن، وحياة الشعوب سلسلة مترابطة من الأحدات.
ختاماً قد يقول قائل، لماذا أخترت هذا العنوان " قصة كفاح لم تكتمل، ولماذا آبائنا ناضلوا ونحن نناضل وإلى متى سنستمر ومتى سننعم بالحياة" سأقول أن الثورة الفرنسية لم تحقق أهدافها إلا بعد 200 سنة أقاموا جمهوريتهم ثم عادت الإمبراطورية والملكية ثم الجمهورية الثانية وهكذا حتى تحققت العدالة.
ونحن سنستمر ننشد العدالة والتنمية ومحاربة الظلم والإحتلال والإستعمار والسلب والنهب، وهذا يحتاج إلى وعي وصبر كبيرين، فكونوا صابرين محتسبين الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.