في الشدائد تُختبر معادن الرجال وفيها تظهر شجاعتهم، فهكذا هي الحوادث عبر العصور والأزمنة المتوالية، بعد أن تساقطت العواصم العربية بقيت العاصمة عدن تقاوم في معركة المتر الأخير. المقاومون الجنوبيون بأسلحتهم الشخصية كانوا في معركة ذلك المتر، يعيشون أوقاتاً عصيبة فالمدينة كلها تكاد أن تسقط لولا القليل من المؤمنين بأن فرجاً سيأتي من الله، وأن في العرب شيئاً من نخوة ستهب وتقف لتسند آخر جدران البيت المتهاوي. من أبوظبي جاءت الفزعة بتلبية عيال زايد نداء الشقيقة الكبرى السعودية فكانت الإمارات بقيادتها وشعبها أول الملبين وكانوا في المقدمة، فلا يليق بالشجعان غير أن يتقدموا الصفوف، وما إن أوكلت المهمة لرجال القوات المسلحة الإماراتية، حتى وصلت في أبريل 2015 أول مجموعة من ضباط الاستطلاع الإماراتيين، ونزلوا في العاصمة عدن، واتخذوا من أحد المنازل غرفة عمليات لإسناد المقاومة الجنوبية وتعزيزها. اتخذ القرار الحاسم بدخول القوات الخاصة؛ فالمعركة كانت معركة شوارع في مديريات عدن وكانت مليشيات العدو تقوم باستهداف المنازل السكنية لإرهاب المدنيين ليفروا من بيوتهم، ومع بلوغ القلوب الحناجر تحركت كتائب القوات الإماراتية وشوهدت للمرة الأولى طلائع تلك القوات، وهي تنتشر في عملية الإسناد والتوجيه للمقاومة برجالها وشبانها، وفيما كانت الانفجارات والأدخنة تتصاعد من كل شبر في المدينة جاء خبر استشهاد الملازم أول عبدالعزيز الكعبي برفقة المقاوم الجنوبي أحمد الجحوشي ليكون دافعاً معنوياً هائلاً مع إطلاق عملية «السهم الذهبي»، لتحرير مطار عدن كنقطة استراتيجية في المعركة. «المسافة صفر» هي التوصيف الحقيقي لمعارك عدن التي شهدت مواجهات محتدمة في أيام عرفت التحامات مباشرة مع العدو الذي كانت قواته تتراجع خلف المتارس على أثر الهجوم الكاسح للمقاومة الجنوبية والقوات المسلحة الإماراتية في كل المديريات وعلى مختلف محاور القتال، غير أن ظهور طائرات الأباتشي التي كانت تحمل أمهر القناصين الإماراتيين، غيرت موازين المعركة بالكامل وطوقت القوات الجنوبية والإماراتية المطار ومنافذ المديريات وباتت عدن تحت سيطرة القوة النارية. مع فجر الرابع عشر من يوليو كانت قوات العدو «الحوثي» و«الحرس الجمهوري» المتحالفة معها تتساقط دفاعاتها ومع تراجعها أخذت تطلق قذائفها بطريقة مباشرة على المنازل السكنية، في إشارة إلى مدى ما بلغته القوات الغازية من هزيمة معنوية دفعت بالمقاومة الجنوبية لتقتحم السواتر والمتارس وتجبر العدو على الاستسلام وإعلان الهزيمة الكاملة، وهو ما حدث بالفعل يوم الخامس عشر من يوليو بدخول القوات الإماراتية والمقاومة الجنوبية المظفرة «قصر معاشيق» ليعلن فيها الانتصار العربي العظيم. تحرير عدن انتصار عربي سيظل الانتصار العربي الأول في القرن الحادي والعشرين موازياً في أهميته لانتصار الجيش المصري العظيم في حرب السادس من أكتوبر 1973، وكما كانت تلك الحرب الخالدة في شهر رمضان فكذلك كان تحرير عدن في الشهر المبارك. ومهما توالت الأيام ستظل ذكرى التحرير المجيدة راسخة وحاضرة، فلقد ُصنع النصر بتضحيات ودماء طاهرة عطرت تراب الجنوب العربي ليظل عربياً مكرماً. الخلود والمجد يصنعه الأبطال على أرض الملاحم، ويوم يمنح الجندي روحه لوطنه في المعارك تظهر عقائد الأوطان، ويُختبر الرجال وتُعطر الأوطان بأزكى الدماء التي أقسمت لربها وأبرت بالقسم المعظم، سنحتفل كعرب من الجنوب وكعرب من الخليج للمحيط بما قدمه عيال زايد من قيادتهم الشجاعة ومن جنودها وشعبها في معركة المجد. موقف رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وجنوده محفور في التاريخ العربي، فأفعال الكبار تظل خالدة راسخة، وكلما ذُكرت عدن ستُذكر الشجاعة والنبل والبطولة الإماراتية مع مقاومة الجنوب وراياتها الحرة.