منذ عقودٍ وحال اليمن لا يسرّ أشقاءها وأصدقاءها، أخطاء كثيرةٌ وخطايا متراكمة، داخلياً وإقليمياً، سمحت بتحول اليمن إلى دولة شبه فاشلة وحرمت الشعب اليمني من الاستقرار والازدهار بحسابات سياسية لم تكن تتسم بالحصافة والحكمة، ولكن اليمن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة.
المرحلة الجديدة جاءت بعد «مشاورات الرياض»، التي شاركت فيها شخصيات يمنية من كل التيارات ومختلف الانتماءات التي تغطي كافة شرائح الشعب اليمني دون إقصاء أي مكونٍ، حتى «ميليشيا الحوثي» كانت مدعوةً للمشاركة، وتمّ الإعلان بعدها عن «مجلس القيادة الرئاسي» الذي يقود اليمن الآن إلى مستقبل جديدٍ ومبشرٍ.
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي حطّ ركابه في العاصمة أبوظبي والتقي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهي خطوةٌ مهمةٌ في إعادة توجيه دفة القيادة اليمنية نحو مصالح الدولة اليمنية والشعب اليمني، بعيداً عن أي انحيازاتٍ أو توجهاتٍ سابقةٍ لم تخدم القضية اليمنية خلال سنواتٍ ليست بالقصيرة. تمنّى الشيخ محمد بن زايد التوفيق لليمن مؤكداً أن «دولة الإمارات لن تدخر جهداً في تقديم كل دعم ممكن لليمن الشقيق على جميع المستويات، مؤكداً ما يجمع البلدين الشقيقين من علاقات أخوية وتاريخية متينة»، ما يعني دعماً كاملاً من «التحالف العربي» السعودي الإماراتي لبناء مستقبل أفضل لليمن دولةً وشعباً.
التحالف السعودي- الإماراتي كان هو القائد والرائد في إنقاذ عددٍ من الدول العربية التي طالتها عواصف «الربيع العربي» المشؤوم ودخل اليمن سياسياً عسكرياً وإغاثياً في مهمة إنقاذٍ حقيقيةٍ ضدّ «ميليشيا الحوثي» التي اختطفت الدولة والشعب لصالح أجندةٍ أجنبيةٍ ودعمٍ لا محدودٍ لكل المكونات الوطنية اليمنية بشتى انتماءاتها، والأيادي البيضاء للسعودية والإمارات، لن ينساها الشعب اليمني وستسطر بأحرفٍ من نورٍ في تاريخ اليمن.
بدعم خارجي دولياً وإقليمياً، قامت بعض التيارات وبعض الشخصيات اليمنية بإعاقة نجاح «التحالف اليمني» وتأجيل المعركة الحاسمة في القضاء على «ميليشيا الحوثي» بشكل عمليٍ وجادٍ، وقامت -كذلك- بمحاولة دق إسفين في العلاقات السعودية- الإماراتية الراسخة، وكان ثمة استهدافٌ واسعٌ ومنظمٌ لدور الإمارات السياسي والعسكري والإنساني المنقذ داخل اليمن، وصل في بعض الحالات لاتخاذ مواقف شبه رسمية مستعجلة ولا تخلو من تهورٍ ومجازفة، والمواقف معلنةٌ والأحداث مؤرخةٌ، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وهذه الزيارة والتشاور اليمني الإماراتي حدثٌ مهمٌ يمنح مؤشراً قوياً على طبيعة المرحلة المقبلة من التخطيط المحكم لإنهاء الأزمة اليمنية.
صناعة الأمل في اليمن لم تكن أمراً ممكناً من قبل بسبب مواقف وسياسات بعض الدول الكبرى في العالم وبعض المؤسسات الدولية، وبسبب بعض التوجهات في مراكز قيادية في المرحلة السابقة، وتعديل تلك المواقف الدولية احتاج جهداً كبيراً وتخطيطاً محكماً وقراراتٍ شجاعةٍ شهدها العالم وسيتحدث عنها التاريخ، والقيادات المعيقة تنحت جانباً ومنحت جيلاً يمنياً جديداً متعدد الاتجاهات وراسخ الولاء الوطني أن يتسنم مواقع القيادة ويواجه التحديات ويحصد إجماعاً وطنياً يمنياً واسعاً بعيداً عن أي حساباتٍ أيديولوجية أو شخصيةٍ لا تخدم الهدف الأسمى باستعادة الدولة اليمنية.
بعض الأحداث تكون تعبيراً مكثفاً عن سياساتٍ واستراتيجياتٍ كانت تجري على مدى زمنيٍ ليس بالقصير، واستحضار الماضي وتذكّر الجهود المبذولة في لحظة النجاح والإنجاز يساعد على فهم ما جرى واستشراف المستقبل في الأزمة اليمنية وفي غيرها من الأزمات التي تعج بها المنطقة والعالم. أخيراً، فلم يكن لاستهداف «الرياض» واستهداف «أبو ظبي» أن يمرّ مرور الكرام ومحاولات تطبيع ذلك الوضع كان دونه خرط القتاد، واليمن اليوم أمام استحقاقاتٍ تاريخيةٍ يجب أن تنجز. وكل عامٍ وأنتم بخير.
*- عبد الله بن بجاد العتيبي- الاتحاد