عندما يقف المرء بهدوء مع نفسه، ليتأمل المشهد السياسي والإنساني والمعيشي والأمني والعسكري في هذا البلد المنكوب، يجد نفسه محاصراً بأسئلة عويصة يعجز عن الإفلات منها حتى لو حاول التجرد من عواطفه وانحيازاته وأخذ الأمور بموضوعية متناهية.
بعد تحرير محافظات الجنوب من المليشيات الانقلابية في صيف 2015م على يد المقاومة الجنوبية المدعومة من دولتي التحالف العربي (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، حصلت "الشرعية" على انتصارٍ مجانيٍ صنعته الآلاف من أرواح الشهداء وأنهار من دمائهم وجراحات زملائهم، وهي تضحيات جسيمة قدمها الشعب الجنوبي ومقاومته البطلة في سبيل الحرية والكرامة، وظل قادة "الشرعية" يتغنون طويلاً بأن لديهم 85 % من المساحة الإجمالية لليمن أراضي محررة، بيد إنهم ظلوا يتجنبون الإشارة إلى من حررها وكيف؟ لكن ماذا فعلت "الشرعية"، وبالأصح ماذا فعل "خاطفو الشرعية" لهذه المساحات وأهلها ومحرريها؟
إن أول شيء فعله "الشرعيون" بعد استيلائهم على الانتصار الجنوبي هو إنزال العقاب الجماعي الصارم بحق من صنع هذا الانتصار، وبدلا من منافسة الانقلابيين على تقديم نموذجٍ متفوق إدارياً ووطنياً أو على الأقل معيشياً وإنسانياً وأخلاقياً، وكانت كل الظروف متوفرة لكل ذلك، بدلا من هذا قام "خاطفو الشرعية" بالقضاء على البنية التحتية الجنوبية على هشاشتها، والاستحواذ على الموارد المالية على محدوديتها وحرمان الناس في تلك المناطق من الاستفادة منها لسد الحاجات الضرورية لإبقائهم على قيد الحياة، كما قام "الخاطفون" بالاستيلاء على رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، وحرمان ذوي الشهداء من مستحقاتهم وتعويضاتهم والجرحى من علاجهم، في عقابٍ جماعيٍ ضد كل الشعب الجنوبي، من أقصاه إلى أقصاه، بحجة قيام مجلس انتقالي (انفصالي) كما يتحججون، وقال قائلهم أن هناك توجه يرى أن أي تنمية في مناطق الجنوب ستؤدي إلى الانفصال، في منطقٍ لا ينافسه في الغرائبية والسريالية والغباء إلا قول بعضهم إن احتلال الحوثي لكل اليمن (شمالاً وجنوبا) أهون بكثير من انفصال الجنوب، لأن الحوثيين (برأي هؤلاء) سيحافظون على وحدة اليمن.
يا هؤلاء!!
نعم نحن نعرف أنكم تبغضون المجلس الانتقالي الجنوبي وقياداته وحتى قواعده ومناصريه، ونعلم أنكم تكرهون قادة وجنود ألوية الدعم والإسناد والأحزمة والنخب الأمنية الجنوبية وكل شباب وقادة المقاومة الجنوبية البطلة، بسبب السمعة المتميزة التي سجلها هؤلاء بحضورهم الوطني المشهود ومواقفهم الشجاعة في مواجهة الإرهاب الانقلابي والداعشي، وتتمنون انعدام هؤلاء من الوجود وشطب أسماء وحداتهم من قاموس اللغة ومفرداتها، فحاربوهم بحسب عادتكم كما تشاؤون وفخخوا سياراتهم وتقطعوا لهم في الطرق واعتقلوا من تشاؤون منهم كعهدكم، وعذِّبوا واغتالوا من تشاءون كما ادمنتم، ولكن لماذا تعاقبون الشعب الجنوبي بكل مواطنيه وفئاته ومكوناته المجتمعية؟
إذا كنتم بتصرفكم هذا تعتقدون أن الشعب الجنوبي سيتخلى عن القضية الجنوبية وضمنيا سيتخلى عن دعمه للمجلس الانتقالي الجنوبي فأنتم خاطئون، لأن الشعب الجنوبي قد أدرك من يتبنى قضاياه ومن يتاجر بهذه القضايا، وقد قرر اختيار الطريق الذي يوصله إلى غايته المنشودة والمتمثلة باستعادته لدولته الجنوبية كاملة السيادة على أرضه.
واعلموا يا هؤلاء أنكم لو نجحتم في مهمة واحدة من مهماتكم، مثلاً في توفير الخدمات، او لو كففتم عن سياسة النهب والاستيلاء على مستحقات الناس، أو لو هزمتم الحوثي في موقعة واحدة أو دافعتم عن واحد من متارس قواتكم، أو بنيتم مدرسة أو شققتم طريقا أو عالجتم جريحاً أو حاسبتم مفسداً أو ضبطتم إرهابياً واحداً أو أشعرتمونا بأنكم تخجلون من الهزائم المتتالية التي تتلقونها وأنتم صامدون عند إعدام فضيلة الخجل في دواخلكم، لو فعلتم شيئاً واحداً من بعض هذا لربما كسبتم احترام عشرات أو حتى مئات أو ألف أو حتى بضعة آلاف من المواطنين الجنوبيين، لكنكم تراهنون على كسب ود الشعب الجنوبي ومحبته من خلال العقاب الجماعي الذي تفرضونه عليه، أو من خلال شراء بعض الرخيصين من بائعي الكلام وتجار المنشورات الذين لو دفع لهم ممولٌ آخر ريالاً واحداً زيادةً عما تدفعون لهم لوالوه وخاصموكم وربما شتموكم وأخرجوا ما فيكم من عيوب لا تُحصَى وأضافوا إليها المزيد من عندهم هديةً مجانية، والشواهد ما تزال حية.
سياسة العقاب الجماعي التي يفرضها "خاطفو الشرعية" على الشعب الجنوبي ستخذلهم من حيث لا يعلمون، وستتحول إلى ثورة غضب جائحة ضد المرفهين في فنادق الدول المجاورة وغير المجاورة ممن يتاجرون بآلام المسحوقين وجراح المصابين وسقب الجوعى وعذابات المقهورين كما تاجروا بأرواح الشهداء ومعانات الجرحى، وسيعلم صانعو هذه السياسة أنهم خاسرون وخاسيؤون وخائبون مهما خدعتهم الأوهام وزين لهم شياطينهم جدوى ما يفعلون.
فإن يكُ صدرُ هذا اليوم ولَّى فإنَّ غداً لناظرهِ قريبُ