اتابع باهتمام سير المعارك على تخوم مدينة مأرب ، والتي عادة ما يطلقون عليها المحافظة الغنية بالنفط وكأنها حقل ( الغوّار) في السعودية .
اتابع هذه المعارك التي مضى عليها ١٥ شهراً وكلفت انصار الله خسائر فادحة في الارواح والجراح . هذه المعارك تشتد وتزداد ضراوتها ، ولا تتوفر فرصة لوقف هذه التوحشات والتي تستخدم فيها كل الاسلحة الفتاكة الاّ سلاح العقل والحكمة .
هذه الحرب ومنذ اندلاعها في اليمن ليست عصية على وقفها اذا توفرت النيات الحسنة والوساطات الصادقة والحوارات والمشاورات المباشرة والغير متربصة .
وعن المملكة العربية السعودية فهي اليوم شُغلت في هذه الحرب في خضم مشاريع عظيمة للتحول من تصدير النفط الى تصنيعه كبتروكيماويات ، والتحول الى اعتناق الاتمتة الذكية والخدمات وما تشكله السياحة من مورد عظيمٌ متنامي ومستدام .
وعن السياحة ومحركها هي الخدمات فهي اليوم تشكل في فرنسا الصناعة الثانية وهي صناعة بدون مداخن ، وتستقبل فرنسا سنويا ٨٩ مليون سائح سنويًا وليس معها ما تفخر به سوى متحف وبرج حديدي فولاذي صدء .
وعن اقتصاد الخدمات فالمملكة حباها الله من الخيرات الكثير ، ومنها انها بلاد الحرمين الشريفين وهي اليوم تنفق بسخاء وتتوسع في في خدمة الحجيج والمعتمرين ، ويمكن لها ان تستقبل حسب توقعات بعض المختصين الى ما يصل الى ٤٥ خمسة واربعين مليون معتمر وحاج سنوياً . ولان العمرة متواصلة طوال العام فان التركيز يجب ان يكون على العمرة لانها لا تحدد بأيام معدودة بل تستمر طوال العام ودون مواقيت وتواقيت .
والحقيقة ان الحرب اشغلت السعودية بل وارهقتها واستنزفتها وبددت غزير اموالها ، ورغم ثراء المملكة فان الحروب محرقة للمال ومربكة للحياة ، وهناك من ينصح ان تسلم دول التحالف ( مأرب) دون تدميرها وستكون هذه بادرة وموقف يعبر عن حسن نية لتدشين سلام الشجعان .
وعن شروط المملكة في وقف اطلاق النار والسماح برحلات محددة عبر مطار صنعاء الدولي وتحديدها بوجهات وعدد الرحلات ، فهذا ليس منطقيا مهما كانت المحاذير والمخاوف ، على ان الكثير ينتقدون دور مجلس الامن ، والدول الكبرى وفي انها عجزت او تعمدت عجزها في ايقاف هذه الحرب الشرسة ،
لهذا فعلى المملكة ان تتنبه لنفسها وان تسعى الى فرصة سلام حتى لا تستنزف وتشغل حيث ان من تحاربهم المملكة هم كالغرقى الذين لا يهمهم البلل .
وعن السلام ووقف اطلاق النار فهو ليس اللغز الذي يصعب حلّه ! بل ان الحل والربط ، والقرار بيد المملكة التي تصلبت وتشددت عند امور لا تشكل تهديداً ومنها فتح مطار صنعاء للرحلات الجوية وميناء الحديدة لنقل الوقود والغذاء .
وعن اغلاق مطار صنعاء فهناك من اخبرني ان الخسائر في الارواح من جراء اغلاق مطار صنعاء يعادل الخسائر في ارواح اليمنيين في الحرب ، فكما تعرفون فهناك ندرة في المستشفيات العاملة بل وندرة في الاطباء والدواء وحروب السبع السنوات العجاف اتعبت واوغلت واذنبت وتوحشت ، والعجيب ان الدول الكبرى ومجلس الامن يكررون دعواتهم لانهاء الحرب ، ويبعثون مناديبهم لتجربة مهاراتهم وفهلواتهم في ايجاد الحلول لنا بينما الحل هو الذي نقترحه ونقبل به نحن وليس ما يبتكره الاخرون .
وخلاصة القول ان مطار صنعاء لن يستقبل اسلحة الدمار الشامل او سلاح الصواريخ العابرة للقارات وكل هذا الخوف لا يبرر في استمرار هذا النزيف والخسائر والقلق الشديد . والحقيقة ان ما يقلق الدول الكبرى لا يمكن ان نصدقه ، فما نراه هو دموع التماسيح التي تنتظر بكل شوق فرائسها .
ومرة اخرى ليس هناك شروط لمن يرغب في السلام فليس السلام اتفاقية استسلام ، بل تدشين لحالة من الطمأنينة والوئام ، وابتكار طرق لتضميد الجراح والتحول من العداوة الى المصالحة وترسيخ الثقة واعمال الحكمة وهي التي اضاعها العرب منذ معركة داحس والغبراء .
فاروق المفلحي