ماذا بعد سقوط بيحان؟؟

2021-09-25 10:00

 

سقوط بيحان بمديرياتها ونواحيها وموقعها الاستراتيجي المهم، بيد الجماعة الحوثية، ومعها بعض مديريات شبوة المجاورة، صار في حكم المؤكد ولم يبقَ إلا التأكد مما إذا كان السقوط كليا أم جزئياً.

لم يعد السؤال كيف سقطت بيحان فلقد سقطت منذ العام 2015م حينما تبايع بعض المحسوبين على شبوة مع أطراف الصراع في صنعاء واختاروا الانحياز إلى المشروع الانقلابي قبل تناحر طرفيه واستمر هذا البعض وما يزال، على الولاء للحوثي حتى بعد إعدام الزعيم الذي كان حجة هؤلاء للانحياز إلى التحالف الانقلابي.

بيحان سقطت يوم اجتياج (الجيش الوطني) لشبوة وتخليه عن نهم وشمال البيضاء وغرب مأرب وكل الجوف للجماعة الحوثية، والتنمر على النخبة الشبوانية التي كانت عنوان انتصار شبوة وقوتها الضاربة في وجه الإرهاب الحوثي-الداعشي

يتساءل الكثيرون عن خلفيات وتداعيات سقوط بيحان بيد الجماعة الحوثية؟ وللإجابة على هذا التساؤل لا بد من الأخذ بالاعتبار الحقائق التالية:

  1. إن بيحان ومحافظة شبوة عموما قد انتقلت من أيدي أبنائها ممثلين بالمقاومة الجنوبية والنخبة الشبوانية المعروفة ببسالة رجالها وإخلاصهم في معركة مقاومة الغزو الحوثي ودحر الجماعات الإرهابية، انتقلت إلى أيدي القوات القادمة من “الجيش الوطني” الهارب من نهم والجوف والبيضاء ومأرب في العام 2019م، وبالتالي فإن القيادات التي سلمت أرضها ومؤخراتها ومساقط رؤوس بعضها للعدو (المفترض) لا يمكنها أن تدافع بكفاءة عن أرض هي عمليا غريبة عنها.
  2. ويرى بعض المراقبين أن تسليم بيحان من قبل القوات الشرعية للجماعة الحوثية إنما يأتي في إطار صفقة أكبر وأشمل تتمثل في مقايضة الحوثية بشبوة للاحتفاظ بما تبقى من مديريات ومدينة مأرب بقيمتها الرمزية والاقتصادية بالنسبة لـ”الشرعية” ومختطفيها.
  3. إن من يدعي أنه يدافع عن أرض هي غير أرضه، من السهل عليه أن يتنازل عنها بعد أن تنازل عن أرضه الأم، مقابل أية مكافأة أو حتى بدون مكافأة لأن هذه الأرض بالنسبة له ليست سوى أرض عدو سلمت لعدو آخر (على افتراض أن الحوثيين ما يزالون أعداء لخاطفي الشرعية).
  4. إن ما يسمى ظلما بــ”الجيش الوطني”، ليس إلا عبارة عن مجموعة من الوحدات المشتتة التابعة لأحزاب وأفراد وقيادات قبلية وسياسية وأيديولوجية، ثم مئات الآلاف من الأسماء الوهمية، التي يتعيش منها المستثمرون في الحرب، ويرى الكثير من المحللين أن هذا (الجيش) يتهيب (في وضعه الراهن) أية مواجهة مسلحة مع الجنوبيين فيما لو حصلت ولذلك فإن تسليم بعض المناطق الحساسة في شبوة وربما لاحقا في حضرموت، للجماعة الحوثية يأتي بالرهان على أن الحوثيين أكثر قدرة على المواجهة المسلحة من الجنوبيين، من القوات (الشرعية) التي تعودت الهرب من أية معركة جادة، وكل هذا يأتي في إطار التكامل بين الجماعتين فيما يخص المواجهات على أرض الجنوب، فحيث تعجز إحداهما تنوب عنها الأخرى.

تسليم بعض مديريات شبوة والبيضاء للجماعة الحوثية من قبل “جيش الشرعية” يمثل فضيحة سياسية وعسكرية وأخلاقية يصعب على قادة هذا (الجيش) تبريرها أو التحجج بأسباب منطقية لحصولها، وبالتالي فإن هذا يضع الأشقاء في التحالف العربي وكل داعمي الشرعية من الخارج والداخل يتساءلون، حتى متى يظل السكوت على هذه الفضائح بلا مساءلة ولا محاسبة ولا حتى محاولة تفكيك ألغازها وخلفياتها.

سقوط مديريات في شبوة وما قد يليها من تسليم واستلام مخطط بين “جيش الشرعية” وجيش السيد” يمثل ضربة قاصمة للتحالف العربي وهزيمة منكرة لكل الجهود التي يبذلها على مدى سبع سنوات ثم تذهب كل يوم أدراج الرياح، كما إن استمرار مراهنة الأشقاء في التحالف العربي على (جيش) هو أقرب إلى الحوثيين منه إلى التحالف العربي هي مراهنة خاسرة وهذا ما قلناه منذ أكثر من ست سنوات، وهو ما يضع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما مراجعة النهج المتبع وجرد حساب الربح والخسارة التي أنتجها العامل مع حلفاء متعاونين مع الأعداء، وإما الاستمرار على هذه السياسات التي ما أنتجت إلا الهزائم والخيبات والخسائر المادية والمعنوية والاستراتيجية، ومكنت الحوثي من التقدم حتى وصل إلى مشارف بحر العرب بعد أن كان محصورا بين الحديدة وفرضة نهم الاستراتيجية التي سلمها له “الجيش الوطني” مندحرا حتى مخابئ مأرب وشبوة.

وأخيرا: إن سياسة “الاستلام والتسليم” القائمة بين جماعة الحوثي و”جيش الشرعية” يمكن أن تؤتي ثمارها في محافظات الشمال، حيث المسلِّم والمستلم أبناء جلدة واحدة وعصبة قبلية وجغرافية واحدة، لكنها لن تنجح في الجنوب لسبب بسيط وهو أن الطرفين غريبان ومحتلان ومغتصبان للأرض التي يتناوبان السيطرة عليها.

ولقد عرف التاريخ لشبوة البطولة والإباء كما لكل محافظات الجنوب، مواقف لا يعلمها الطارئون وحديثي العهد بالوطنية والسياسة عموما، وهذه المواقف سيستحضرها أبنا شبوة وكل أبناء الجنوب وهم يواجهون هذا التحدي المزدوج، ومن لم يتعلم من درس 2015م من الحوثيين أو المتخادمين معهم، عليه أن يستعد لتعلم الدرس القادم الذي لن يكون أقل قوة وقسوة من سابقه.

وإن غداً لناظره قريب.