منذ ان عرفنا سلطنة عمان وسلطانها الحكيم قابوس بن سلطان طيب الله ثراه، منذ ان عرفناه حينما تسنم قيادة السلطنة وهو يعمل على تحديث هذا الوطن الذي ادهشني بجماله ونظامه وامنه ودماثة وحسن اخلاق شعبه وسجاياهم العربية السمحة .
ومنذ ان قاد المسيرة السلطان قابوس وهو يرسخ مبداء الحياد والنأي بالنفس وعدم الإتكال على الغير .فالسلطنة لا تعول على اي دولة سوى على نفسها وفي كل الظروف والنكبات والكوارث .
ولقد كانت سياسة السلطنة الخارجية تتركز في ان لغة التحالفات والمناصرات ، فيها الكثير من المتاعب والمرهقات فآثرت السلطنة ان لا تزج نفسها في هذا الهم والإرهاق .
على ان صنعاء اليوم تنجذب الى السلطنة ! مع ان عدن هي الاكثر قرباً الى السلطنة من اي دولة اخرى ولكن تاريخ الجنوب القديم مع السلطنة في السبينات من القرن الماضي ، يلقي دوماً بظله الكئيب على علاقات عدن بمسقط ، فالذكريات مريرة وان كانت فعل ماض الا انها تعود الى الوعي في اي لحظة وتصبح هي الحاضر .
وعن علاقات السلطنة مع -أنصار الله - فهناك تقارب واضح ف - صلالة - تكاد تكون موقع ترانزيت لوفود -انصار الله- كما انني لاحظت اثناء زياتي الى -صلالة -عبر -المهرة - لاحظت العديد من السيارات الخاصة تجوب في شوارع صلالة وبلوحة يمنية .
والحقيقة ان هناك شبه تقارب مذهبي محمود ، بين المذهب الاباضي والمذهب الزيدي ، على ان المذاهب تشكل فسحة في الدين ، فيجوز لك ان تتبع بعض تعليمات المذهب الاباضي في السلطنة تكيفا وتماهيا ، واذا آنست الى الاقتداء بالمذهب الزيدي او الشافعي فهذا مباح وكل ذلك اجتهادات وسعة .
وكلمة على الهامش عن المذاهب فانا لو عشت في مصر فساكون شافعي وفي السودان صوفي وفي تونس مالكي . هناك من يغضب ولكن الاهم ما في قلوبنا من ايمان وتقى ونقاء .
لكن حديثي هو عن الوساطة التي اصبحت حديث الاعلام بل وما قيل ان - السلطنة- قد قطعت اشواطاً في تطبيع علاقاتها مع صنعاء تمهيداً لفتح سفارتها .
ولا نعلم عن تفاصيل -مبادرة عُمانية- ولكننا شاهدنا الوفد السلطاني وبمعيته المفاوض الحصيف محمد عبد السلام والذي يزن كلامه بميزان الذهب . فلقد صرح ان هدف الزيارة هو لبحث مبادرة سلام ووقف اطلاق النار .
عقدة المفاوضات تتمحور حول شرط - ان لا تربط الجوانب الانسانية بوقف اطلاق النار- وهذا يعني في تفسيرهم ، فتح مطار صنعاء وكذلك فتح ميناء الحديدة لاستقبال السفن دون قيود او تفتيش او تحديد وجهات ، وهذا شرط يمكن تذليله اذا وجدت النية الصادقة لدى الاطراف .
اليوم علمنا ان بواخر محملة بالوقود سترسو في ميناء الحديدة ، بعد اشهر من الانتظار في عرض البحر ، وبلغت فقط تكاليف الانتظار كما قيل ٥ مليار ريال يمني . هذه المبالغ سوف تزيد من سعر الوقود وهنا العناء والتعب وهذا يثبت سبب تشبث الانصار بجعل الملاحة مفتوحة .
على انني اجد في زيارة الوفد السلطاني الى صنعاء بداية ترتيب حوارات مستدامة مع انصار الله والحوار هو الذي يجب ان يكون المستدام في كل حالة ومقام وما احوجنا للحوار عند الحرب والخصام .
هناك من يسال ولماذا يتمسك انصار الله بشرط فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة دون قيود ؟ والجواب. لان قيود الرحلات وابحار السفن يشكل لهم إستسلاما وضعفا . وهناك سؤال موجه الى دول التحالف . لماذا الخوف من فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بدون قيود ؟ والجواب ان ذلك يبعث على الريبة في ان - انصار الله- سوف يعيدون ترتيب اوضاعهم لجولات حرب جديدة ! والحقيقة ان الامور في طياتها الكثير من المخاوف الغير مبررة .
هناك مبالغات وتشدد غير مبرر في هذه الشروط من قبل دول التحالف ، ويمكن ابتكار حلول لوقف اطلاق النار وتجاوز هذا المأزق الحرج .
على ان اليمن يحتاج الى نصف قرن حتى يستعيد بعض عافيته ، فلقد دمرته الحرب نفسياً وأقتصادياً وروحياً ، فامنحوا اليمن بعض السلام والثقة واعينوه على ترميم ما دمرته هذه الحرب وراهنوا على الشعب الذي سحقته المهالك واوجعته الحروب ففي كل بيت حزن ومناحة .
وصل عديد الضحايا بسبب هذه الحرب الى اليوم ١٣٠ الف قتيل نصفهم قتلوا ولا يعلمون لماذا يحاربون ، بل وما هو سبب الحرب . والحقيقة انه وكلما تاخر السلام وطالت الحروب فقدت الناس الرغبة بالتشبث بالحياة .
تنازلوا يا دول التحالف وكونوا عون لليمن فقد ضاع عليكم لانه فقير ، فجاء من يحتضنه ويشجعه ويلقنه دروس الانتقام والحقد والصرخة .
فاروق المفلحي