بين الإخفاق والنجاح.. 6 سنوات على عاصفة الحزم (1)

2021-03-27 13:44

 

أين نجحت العاصفة وأين أخفقت؟

أول سؤال يواجهه يواجهه الباحث وهو يعود بالذاكرة إلى يوم 26 مارس 2015م حينما انطلقت عاصفة الحزم هو السؤال: أين أصابت العاصفة وماذا حققت من نتائج؟ وأين أخفقت وما هي أسباب هذا الإخفاق؟

بعيدا عن خطاب المبتهجين بالإخفاقات التي تعرضت لها عاصفة الحزم وهي تواجه التحدي الأكبر، في تاريخ العلاقات اليمنية السعودية والخليجية عموما، يمكن التأكيد أن عاصفة الحزم جاءت كي تحقق أهدافاً مرسومة سلفا، لكنها  مثل كل جهدٍ بشري يمكن أن تصيب ويمكن أن تتعرض لإخفاقات وأخطاء لن يكون التوقف عندها من منطلق الشماتة أو التندر وجمع المستمسكات كما يفعل البعض، بل من أجل استخلاص الدروس والعبر للعمل على تجنب تكرارها وفي سبيل تسريع الوصول إلى الغايات النهائية إن كان في الوقت متسعٌ، خصوصا في ظل اشتداد الضغط والابتزاز الذين تتعرض لهما الشقيقتان الخليجيتان، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

لقد توقع الكثيرون أن عاصفة الحزم يمكن أن تنهي مهمتها في ثلاثة إلى أربعة أشهر وإن طالت فلن تتجاوز الأشهر العشرة، نظرا لما حققته في الضربة الأولى التي أقعدت خصومها أرضا وشلت قدراتهم القتالية، التكنيكية والتسليحية البرية والجوية وحتى القوى البشرية، وقد تمكنت القوات المفترض أنها نصير للشرعية، أن تتسلم عددا من المناطق التي حررها أهاليها شرق صنعاء، لتصبح العاصمة صنعاء في مرمى نيران تلك القوات، علما بأن أهالي مأرب والجوف والكثير من مناطق البيضاء وتعز قد دافعوا عن أراضيهم وبقيت الكثير من تلك المناطق خارج نفوذ الجماعة الانقلابية، بفضل مقاومة أبنائها ورفضهم الاستسلام للانقلاب والانقلابيين أو حتى التعايش معهم.

لكن النجاح الأكبر جرى إحرازه في  مناطق الجنوب التي شهدت مواجهة لم تعرفها تلك المناطق منذ قرون، استخدمت فيها قوات التحالف الانقلابي كل وسائل القتل والتدمير واستهدفت كل كائن حي وكل ما له علاقة بالحياة، فهدمت المنازل فوق ساكنيها وتقنصت الأطفال والنساء والعجزة، واستهدفت زوارق النازحين، ومخيمات اللاجئين ولم تدع هدفا إلا وصوبت نيرانها نحوه، ومع ذلك وبفضل التماسك والتعاضد المتين بين المقاومين الجنوبيين والقوات العسكرية الجنوبية، التي ظلت على مدى ربع قرن مبعدة من كل فرصة للتأهيل والحفاظ على المهارات وتطوير القدرات، بفضل التعاضد بين كل هؤلاء وبين قوات التحالف العربي ممثلة بالقوات الإماراتية الشقيقة المتعاونة مع القوات السعودية الشقيقة، استطاعت المقاومة الجنوبية أن تدحر الجماعة الانقلابية في أقل من مائة يوم إلى حدود ما قبل 22 مايو 1990م، واعتبر الكثير من المراقبين والمحللين الاستراتيجيين والعسكريين هذا الانتصار ظاهرة استثنائية، إذ لم يحصل منذ عقود أن يُهزم الطرف الأقوى والأوفر عدةً وعتاداً والأكثر مهارةُ وخبرةً، من قبل فئة محدودة القدرات والمهارات وقليلة الخبرة وضئيلة العدة والعتاد، وهو ما استنتج منه المتابعون أن قوة الإرادة والتمسك بالحق يمكن أن تغني صاحبه عن آلاف المقاتلين والقناصين ومئات الآليات والمركبات ومنصات إطلاق الصواريخ والأسلحة المدفعية الثقيلة والخفيفة.

نجحت عاصفة الحزم جنوباً لكنها فشلت في توظيف هذا النجاح لتقدم منه نموذجا لمشروعها الذي تريده لليمن والذي يمكن أن يجعل ملايين اليمنيين الواقعين تحت هيمنة الطرف الانقلابي ينتفضون ضده ليبحثوا عن حياة أفضل تشبه حياة أشقائهم في المناطق التي حررها أبناؤها في الجنوب، والأسوأ من ذلك أن من سرقوا الانتصار الجنوبي حولوه إلى وسيلة لعقاب المنتصربين وهو العقاب الذي يزداد اشتدادا واتساعا ليمشل سياسات التجويع وحرب الخدمات قي سبيل التركيع والترويع ، فأصبحت حياة المواطنين، في المناطق الجنوبية (المحررة) أشد سوءً وأكثر تدهوراً وأشد بؤساً وأعلى معاناةً مما هي عليه عند أشقائهم في مناطق هيمنة الجماعة الانقلابية، وهذا الموضوع يمكن تناوله في سياق آخر بشكل أكثر توسعاً، لكن المهم أن قيمة الانتصار الجنوبي فقدت بريقها لدى الجنوبيين أولا الذي ظلوا يتوقون إلى حصد ثمار انتصارهم فلم يحصدوا إلا العذاب والمرارة، ولدى الشماليين الذين كانوا يتوقون للتحرر من هيمنة الجماعة الحوثية فأبصروا في ما يعانيه أخوتهم المنتصرون في الجنوب عذاباً مبينا، مما رفد الانقلابيين بزخم معنوي ودعائي كبير لم يحسب حسابة أحد لا في الشرعية ولا في التحالف العربي حتى اللحظة.

وعندما حاولت دول التحالف الشقيقة شق الصف الانقلابي بالرهان على الدور الذي كان يمكن أن يلعبه خروج الرئيس صالح من التحالف الانقلابي، لم تسر الأمور على ما يرام، بل لقد أفشل الحوثيون هذه الخطة بضربة استباقية أخرجت الرجل من المعادلة السياسية والعسكرية ومن الحياة كليةً.

سنتناول في وقفة قادمة أسباب الانتصار جنوباً والإخفاق شمالاً