أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً مهماً، يوضح فيه موقفه من قرارات منتصف ليل الجمعة الصادرة عن الرئاسة اليمنية في الرياض، وبقراءة سريعة، يبين البيان الثقة السياسية العالية التي يتعامل بها المجلس مع مختلف القضايا، ومدى جديته في الوصول الى تسوية سياسية لا تنتقص من حق الجنوب في تقرير مصيره، وهذه الثقة السياسية، تكسبه حضورا محليا وإقليمياً.
بيان مقتضب أكد فيه المجلس موقفه الصلب، وجعل الطرف الآخر في موقف المتمرد، واي خيارات لهذا الطرف ستصب في مصلحة المجلس، فالتلويح بالخيارات العسكرية، لم تعد متاحة لطرف دخل في شراكة سياسية وحكومية، وقد تعجل بالنهاية الوشيكة لهادي كرئيس، فالرفض الشعبي لهادي، لم يعد مقتصراً على الجنوب، وهذا الرفض في تزايد، ليس لأن الجميع يقف مع المجلس الانتقالي فحسب ، ولكن لسخط الشعب من غلاء المعيشة وتوقف صرف المرتبات، ناهيك عن ان قوات هادي لا تدفع “مرتبات كاملة لمنتسبيها”، بما يعني ان الجميع لا يريد هذه السلطة التي تمارس الحصار والجوع حتى على اتباعها، ناهيك أن هادي اصبح معروفا للجميع بتخليه عن اقرب المقربين منه.
يتضح للجميع ان “هادي” وكل الأطراف المحلية وربما الإقليمية التي تقف خلفه وتدعمه، يعمل بشكل واضح ضد تطلعات الجنوبيين، وهذه القرارات والمواقف تعزز سلطة الحوثيين في صنعاء، وتعرقل أي جهد عسكري وسياسي ضده الجماعة ، على الأقل في الضغط على الحوثيين للقبول بتسوية سياسية تنهي الحرب، اما هزيمتهم، فهادي وقراراته الرئاسية “التي يصدرها آخر الليل”، تخدم الحوثيين دون غيرهم.
استنكر المجلس الانتقالي الجنوبي ما وصفها بالمحاولات (المتكررة) الهادفة إلى تعطيل عملية استكمال تنفيذ اتفاق الرياض وإرباك المشهد وإفشال عمل حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال المنبثقة عن الاتفاق”؛ بمعنى ان هذه القرارات ليست المحاولة الأولى بل هناك محاولات سابقة، وربما يشير الى بيان زعيم تنظيم إخوان اليمن محمد اليدومي، وتهديدات حاكم شبوة، والتلويح برفض تنفيذ بنود اتفاقية الرياض المتعلقة بشبوة.
قال الانتقالي ان “حزمة قرارات الرئاسة اليمنية أحادية الجانب الصادرة يوم الجمعة بتاريخ 15 يناير 2021م، شكلت خروجاً صارخاً وانقلاباً خطيراً على مضامين اتفاق الرياض، وعملية التوافق والشراكة بين طرفي الاتفاق” رافضاً التعاطي معها.
وبلغة سياسية قوية وثقة عالية، جدد المجلس تمسكه باستكمال تنفيذ كافة بنود اتفاق الرياض”؛ الكرة الآن في ملعب الرعاة الإقليميين للاتفاق، اما وتنفذ الرئاسة اليمنية ما وقعت عليه، والا فإن هذه الأطراف هي المعرقلة، وكل اجراء مستقبلي يخدم الانتقالي محليا وإقليميا ودولياً، فهذه الجماعة التي ترفض السلام والتسوية السياسية، لها ارتباطاتها الإقليمية المعادية للاستقرار في المنطقة، وبالتالي أي فعل عسكري قد تقوم هذه الأطراف الرافضة لجهود السلام، ستتحمل تبعاتها، وقد يدفع الإقليم الى القيام بخيارات أخرى، بعيدة عن سلطة هادي، ناهيك عن هناك اطراف سياسية يمنية فاعلة وقوية تمتلك أيضا حاضنة شعبية وقوات عسكرية، ترفض التعاطي مع إدارة هادي للمشهد السياسي والعسكري، ولديها معركة ثأرية مع الحوثيين، وهو ما يعني ان هذه الأطراف قد تحارب وان كانت حربا من اجل البقاء.
لم يكن المجلس الانتقالي الجنوبي وحده من رفض قرارات “منتصف ليل الجمعة”، فهناك الكثير من القوى السياسية التي أعلنت رفضها للقرارات وبينت أسباب رفضها، وبالتالي لا خيار امام هادي الا التراجع عن تلك القرارات، والتفكير بعقلية “رئيس البلد”، وليس كسكرتير لمحمد اليدومي.
باعتقادي ان هذه القرارات ستحدد ملامح المشهد مستقبلاً “التراجع عنها”، سيكون في مصلحة الجميع بما في ذلك الرياض قائدة التحالف والاتفاق”.
مع ان الحرب الاقتصادية التي لا تزال تمارس في عدن من بينها استمرار انهيار العملة، يوحي بأن هادي يسعى لخيار استمرار الحرب، و”قلب الطاولة على الجميع”، لكن العوامل الإقليمية التي تعول عليها الرئاسة اليمنية لا يمكن ان تكون حاسمة، لافتقارها للشرعية او يستحيل شرعنتها بعد ان دخل الجميع في شراكة سياسية.
فقط سيحول الجنوب إلى “ساحة صراع إقليمية او دولية”، وهو ما لا ترغب فيه السعودية ولا تتمنى ان يكون هذا السيناريو واقعا، فالمسألة والمصلحة لا تكمن في المهرة او شبوة او أي بقعة، واي اجراء قد يضيق الخيارات المستقبلية امامها، فالشمال الغاضب (جداً) لا يمكن للأموال ان تصنع منه حليفاً، وهو ما لم تنفع مع دخول الحوثيين الى صنعاء، ناهيك ان زعماء القبائل الذين كانت الرياض تمولهم كحلفاء “فروا مع اول طلقة في محيط تلفزيون اليمن بصنعاء، إلى الخارج.