كنت قد قابلت امريكي في ولاية متشجن كان هذا الامريكي المُسن قد زج نفسه في حديث معي .
قلت في نفسي دعني اخفف عنه عناء وحدته وصمته، واخوض معه الحديث حسب وجهاته وعواهنه دون ان ازج نفسي في جدلٍ معه.
وما اتذكره من حديث ذلك الامريكي المُسن، ان الاسرة الامريكية البيضاء لا تعترف بمشاركة الوطن الامريكي لغيرها فالبيض، هم من صنع امريكا العظيمة عسكريا وصناعيا وما غيرهم من شرائح سكانية الا طفيليات تعتاش وترتع دون اي احساس بالوطنية .
وما فهمت من معاني حديثه ان البيض الاوربيين قد تلقنوا منذ نعومة اظفارهم ان امريكا ملك البيض وان غيرهم هم اقليات بدون إنتماء او غيرة وطنية .
لم اعكر عليه يومه وودعته ولم اقل له سوى جملة واحدة- انتم بهذا الشعور تمزقون ارضكم- !
وما اراه واشعره ويدركه الجميع ان سكان امريكا الاصليين قد سحقوا وهم من الضعف والهوان ما جعلهم اقل تاثيرا في مجريات الاحداث . كذلك الافارقة الذين بنوا امريكا ويبلغ تعدادهم قرابة ٦٠ مليونا وهم في قاع المجتمع وهم بمجملهم يعيشون من يوم الى اخر ، ومبلغ علمهم هو الغناء والرياضة واللهو والشراب .
هذا الوضع التعايشي القلق كان قائما وساكناً ولكن بعثه واججه - ترامب- من مراقده، فصارت امريكا اليوم في حالة استقطاب بين الاقليات المهاجرة ،
فهناك شريحة سكانية متعاظمة وهي الشريحة ذات الاصول اللاتينية والافريقية اصبحت تستشعر العداء من قبل البيض بل وتجد نفسها مقصية، ولا تهتم الحكومة الامريكية رغم ثراءها في التعاطف معهم ومنحهم حتى فرص العلاج المجاني اسوة بكندا وكل دول اوربا مع كل سكانها .
على ان التباعد يزيد ويتوسع بين هذه الشرائح وتسبب اليوم في الاحداث المؤسفة التي شهدتها العاصمة واشنطن ، بسبب تحريض وتشجيع - ترامب- على دفع مؤيديه لابطال جلسة الكونجرس ومجلس النواب على اعاقة تسلم الرئيس المنتخب - بايدن - دفة الحكم واعتراف الجمهوريون بالهزيمة .
اليوم تبدو امريكا مختلفه في وعي سكانها ومشاعرهم وتوجهاتهم ولقد برزت وتفاقمت واستفحلت الكراهات واصبحت امريكا تعبر وبعنف عن بغضها لبعضها البعض .
هل ستسفر هذه المشاعر المخيفة عن تنافر جغرافي وربما بداية تشظي امريكا وتمزقها الى جمهوريات كما تشظى الاتحاد السوفيتي ؟
هناك من يستبعد هذا الامر ولكن هل كان هناك من يستطيع ان يتكهن ان روسيا ستدخل في عداء وفي قطيعة مع بعض جمهورياتها المستقلة عنها، بل وتحارب احد اهم جمهورية وهي -اوكرانيا- والتي كانت تمثل قمة التقارب والانسجام مع روسيا حتى ان روسيا اقتطعت لها جزء اثيرا من ارضها لتضمها الى تلك الجمهورية اثناء اعلان الاتحاد السوفيتي .
ان الكيان الامريكي العظيم اليوم وان سلم من التمزق فلقد اصاب مجتمعه خلل في الوعي والتعايش وقبول الآخر ، وعلى امريكا ان تتنبه الى ان الايام القادمة ستكون حافلة بالاستقطابات والتنافرات والعنصريات وهذه هي الحالقة .