تسير بعض الجماعات والمكونات الجنوبية عكس التيار المحلي والإقليمي والدولي في استدعاء القيادات والرموز والتعصب لها ، وتقديمها على قضاياها الوطنية . المتغيرات الدولية القائمة على التبشير بالديمقراطية والاتجاه نحو التعددية السياسية ، واحترام مبادئ العدالة والحرية ، ومشاركة المجتمع المحلي في إدارة شؤونه ألغت ثقافة الرمز الثوري والقائد الملهم الذي يهيّج الجماهير الثورية نحو النضال ضد القوى الرجعية والامبريالية التي كانت سائدة ذلك الوقت في اليمن الجنوبي . تلك الثقافة لا تصلح ان تحكم الجماهير وتخضعها لثقافة الحزب القائد ، وصوت الجماهير والمعبر عنهم .
من الطبيعي ان يسود الخلاف والتباين في نظرة الأطراف الداخلية للمكونات الجنوبية والقيادات السياسية لحل القضية الجنوبية ، وكيفية التعامل الداخلي والخارجي مع معطياتها ومتطلباتها ، وذلك التباين وربما الاختلاف يعود لبعد القيادات والمكونات عن ممارسة السياسية والقيادات لفترات طويلة منذ تغيب تلك القيادات الجنوبية من معادلة الدولة ، كما ان الواقع السياسي للمنطقة والشعوب العربية ، وخاصة بعد الربيع العربي يسوده الاضطراب والفوضى وتعدد المشاريع الإقليمية والخارجية ، فالتباين والتناقض سمة كل المكونات العربية واليمنية المتصارعة في الساحات والميادين الثورية ، لكن المتأمل في الواقع الجنوبي يجد الطابع الشخصي سببا في تراكم وتزايد التباينات الجنوبية ، ومحاولة بعض المكونات جر الجماهير الجنوبية لمشاريعها ، وتجيير المليونيات للتأكيد على شرعيتها وأحقيتها منفردة بقيادة الجنوب ، وسوقه نحو مشاريع مجهولة دون نقاش أو مطالبة بالتفسير ، فضلا عن قبول كل الأطراف الجنوبية بالمشاركة الفاعلة في تقرير مصيره ورسم مستقبله .
المليونية التي انطلقت في 21 من مايو استغلها طرف ومكون جنوبي لترسيخ قيادته والتأكيد على دولته الشرعية الممثلة الوحيدة للجنوب ، وخاصة لأنه في هذا التاريخ أعلن السيد البيض فك الارتباط مع صنعاء ، وتأسيس جمهورية جنوب اليمن ، ولذلك حرصت بعض الفعاليات على تفويض السيد البيض بمبايعته كقائد جنوبي وحيد للقضية الجنوبية ، وهذا التجيير الخطير وغير المسبوق للجماهير المحتشدة والمليونيات المؤكدة على حق الجنوب في تقرير مصيره لصالح أفراد وجماعات ومكونات سياسية ؛ يفقد الجنوبيين مصدر قوتهم ، ويؤسس لخلق بذور الفرقة وتوسيع الخلاف الجنوبي الجنوبي ، إذا ستخرج الجماهير لتؤكد شرعية أشخاص ، وليس للتأكيد على شرعية القضية وتقديمها على جميع القيادات والمكونات التي تكون تابعة وخاضعة للقضية ، وليس العكس .
المشكلة الحقيقية للحراك الجنوبي التي تمنع تطوره وتنذر بخلق المشاكل وتوسيع الخلافات والتباينات بان البنية التنظيمية للحراك ضعيفة بسبب الاستجابة لفترة النضال الطويلة ، وهو أمر طبيعي ولكن من غير الطبيعي الاستمرار على هذا النهج الشعبي والمستجيب للضغط الجماهيري . فالحراك تتنازعه قيادات سياسية وقيادات ميدانية متنازعة ، وكثير منهم يريد تأكيد قيادته وشرعية مكونه الوحيد للجنوب ، والأمر الآخر بان الحراك استند لقوة الشباب المندفعة وغياب شبه كامل لبقية مكونات المجتمع من مثقفين ونقابات وسياسيين ومنظمات مجتمع مدني ، وهذا الزخم الثوري للشباب الجنوبي ، ربما يكون صالحا في مرحلة النضال ، ولكنه قطعا لا يصلح لمرحلة ما بعد النضال ، والتخطيط المستقبلي لبناء دولة الجنوب الديمقراطية .
المجتمع الدولي والشرعية القانونية الدولية والإقليمية لا تعطي الشرعية لأي حاكم أو فصيل أو قيادة ، إلا عن طريق صناديق الانتخابات والممارسة الديمقراطية ، وتطالب بالمشاركة السياسية والاجتماعية دون إقصاء لأي طرف أو ادعاء حصرية التمثيل والشرعية ، وهذا يتوجب من الجنوبيين التوافق وقراءة السياسية الدولية والإقليمية بواقعية ، والإتيان بحلول ومخارج للقضية الجنوبية تتوافق مع مطالب المجتمع الدولي ، وتلبي طموحات الجماهير ، أو على الأقل لا تتقاطع مع المتغيرات الإقليمية والدولية ، كما يتوجب على قيادات الجنوب الاعتراف بكل الأطراف الجنوبية واستيعاب مطالبها وتفهمها ، مهما اشتدت الخلافات وتباينت المواقف والقناعات .
المراهنة على القيادات والرموز ومحاولة فرضها طريقة خاطئة في إدارة ملف القضية الجنوبية ، ولا سيما ان بعض القيادات لم تتخل عن شموليتها ، وتتمسك بالتفرد بآرائها ومواقفها ، حتى لو قادت إلى كارثة جديدة يدفع ثمنها دائما الجماهير ، الاستفادة من أخطاء الماضي الموصوف بالأليم يتوجب اختيار القيادات السياسية والميدانية القادرة على مخاطبة الجميع في الداخل والخارج ، والاهم ان يتم ذلك الاختيار على مبدءا اختيار الأكفاء والأفضل ، وليس عن طريق تكريس التبعية الحزبية والسياسية والشخصية ، أو عن طريق الوراثة من الآباء إلى الأبناء .