مثّلتْ الجماعات الجهادية المتطرفة- أهم أذرع حزب الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام لمواجهة الطرف الجنوبي ممثلاً بالحزب الاشتراكي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي غداة قيام الوحدة اليمنية التي صادف إعلانها عودة جموع الجهاديين من افغانستان إلى أوطانهم بالدول العربية والشرق أوسطية الأخرى ومنها اليمن....بلغتْ ذروة استخدام هذه الجماعات كذراع عسكري وأمني وجهاز اغتيالات وتفجيرات لحسابات سياسية وهيمنة استحواذية في فترة قبل واثناء حرب 94م، قبل أن تجد سلطة ما بعد تلك الحرب( سلطة يوليو 94م) نفسها في فوهة مدفع الإدانات الدولية - والأمريكية بالذات- بتهم دعم الإرهاب واستهداف المصالح الغربية ،وهو الأمر الذي شكّــل عامل ضغط على تلك السلطة – وبالذات على حزب المؤتمر الشعبي ورئيس ورئيسه ورئيس الدولة حينها علي عبدالله صالح - التي لم تجدّ بُـــدٌ مِـن تقليص دورها ولو شكليا من خلال التفاهمات مع رموز تلك الجماعات ومحاولة استيعابها ضمن مؤسسات الدولة ومنحها مناصب وامتيازات كبيرة، برغم أن هذا لم يثني صالح ونظامه من استثمار هذه الورقة عند واشنطن والغرب للظفر بمكاسب مالية وللفوز بشراكة سياسية مع عواصم الغرب. ولكن هذا لم يفلح في وقف نشاط تلك الجماعات، خصوصا وأن حزب الإصلاح الذي فضَّ شراكته السياسية القصيرة مع المؤتمر الشعبي العام بعد انتخابات 1997م,ظل يحتفظ داخله بالمحزون الهائل من هذه الجماعات التي يتم إطلاقها عند كل مواجهة.
- توظيف هذه الجماعات عادة بقوة بالحرب الأخيرة 2015م من قبل حزب الإصلاح بل ومن قبل التحالف نفسه، لمواجهة الحوثيين وقوات صالح في الجنوب، وكان لهما أي الإصلاح والتحالف ما أرادا من هذا التوظيف، فقد لعبت هذه الجماعات سواءً المحسوبة على الإصلاح أو الجماعات السلفية المحسوبة على التحالف دورا فاعلا بهذه الحرب جنبا الى جنب من المقاومة الجنوبية المنضوية تحت مظلة الثورة الجنوبية( الحراك الجنوبي) في هزيمة الحوثيين وقوات صالح في عموم محافظات الجنوب. وشاهدنا حالة التوافق والثقة الوثيقة، الى درجة أن تم تسليم كل حضرموت تقريبا بما فيها حاضرة المحافظة ( المكلا) في عهدة هذه الجماعات الى حين، وكذا شاهدنا في شهر نسيان إبريل 2016م كيف تم استعادة هذه العهدة ( المكلا) على شكل معركة صورية دون إراقة قطرة دم واحدة، بعد أن تم فتح معابر مرور لهذه الجماعات للخروج من المدينة ومدن حضرمية ساحلية أخرى صوب حضرموت الوادي، مقر المنطقة العسكرية الأولى التي كانت وما تزال يدين الجزء الأعظم منها بالولاء لنائب الرئيس علي محسن الأحمر وغيره من القيادات العسكرية المقربة من حزب الإصلاح كامتداد للوجود العسكري في مأرب مرورا ببعض مناطق شبوة، وبالتنسيق مع جماعات جهادية متناثرة ببقاع عديدة في محافظة البيضاء وغيرها من المناطق بالشمال والجنوب.
- بعد دوران تروس ماكنة الصراع السياسي والعسكري مؤخرا بالجنوب بين القوات الجنوبية المسنودة إماراتيا والقوات الموالية للسلطة المسماة بالشرعية المدعومة سعوديا وقطريا ما تزال كثير من هذه الجماعات تؤدي ذات الدور المريع ولذات الجهات وبنفس الأساليب : قتل، اغتيالات، تفجيرات مفخخة، غارات خاطفة كما حدث اليوم الأثنين 7 ديسمبر الجاري في مديرية لودر حين استهدفت جماعات قيل أنها تتبع القاعدة نقطة أمنية جنوبية أودت بحياة خمسة جنود وجرح أخرين على الأقل-. مما يعني أننا إزاء مشهد دموي بنسخة محدثة تفعل فعلها لتحقيق ذات الغرض السياسي القديم( السيطرة على الجنود مجددا بعد إخضاعه لحالة من الترويع بالتوازي مع أشكال حرب أخرى: حصار، حرب خدمات ،فوضى أمنية، مضاربة بالعملات، حرب الوقود والمرتبات والكهرباء والماء و إغراق السوق بتضخم مالي بمئات المليات من العُملة وموجات غلاء أسعار متلاحقة.
- يبدو أنه لم ولن تجدِ نفعا الجهود الدولية التي تتحدث عنها أمريكا، والجهود الإقليمية التي تتحدث عنها السعودية عن مكافحة الإرهاب، والسبب هو إما تقاطع المصالح مع الدول والقوى التي تدعم الإرهاب أو بسبب انغماس الولايات المتحدة والسعودية في رعاية هذه الجماعات طيلة اربعة عقود. يصعب معها فك الإترابط بينهم، فعلى سبيل المثال لا للحصر، تحدث قبل قرابة عامة ونصف الرئيس الأمريكي ترامب عن الدعم القطري للإرهاب وعن ضرورة تخلي قطر عن هذا التصرف المدمر وبعد أيام يعلن أن بلاده ابرمت صفقة تشمل 36 طائرات F15 للدوحة بقيمة 12 مليار دولار. وها هي السعودية تعلن عن تصنيف حركة الإخوان المسلمين كحركة إرهابية، وبعد أيام فقط تعيد السعودية تنشيط علاقتها مع تركيا( الحاضن والداعم الرئيس للحركة الإخواني الدولية) تلى ذلك إعلان المصلحة الخليجية مع قطر المتهمة بدعم الإرهاب والتطرف والممول للحركة الإخواني، مما يؤكد أن الحديث عن مكافحة الإرهاب ليس أكثر من خطاب ابتزازي ديماغوجي يهدف لانتزاع مكاسب أخرى ومساومات سياسية واقتصادية، وبالتالي سيظل الإرهاب باليمن وبكثير من مناطق العالم سهم بأوراق بورصة المصالح .
*صلاح السقلدي