عند قراءة التاريخ العربي القديم لا نجد في صفحاته أنها قد قامت دولة مركزية واحدة تضم أقطار شبه الجزيرة العربية والخليج بدولها وأقاليمها الحالية المعروفة ولعل مرد ذلك يرجع إلى المفازات والصحاري الشاسعة في تلك النواحي وندرة مياه الأمطار وهذا ما جعل القبائل العربية في الصحراء يعتمدون على الارتحال والتنقل والاشتغال بالرعي وتربية المواشي بالإضافة إلى التكسب والعيش أحيانا من الحروب والغزوات والسلب والنهب وقطع الطرق الآمنة وكان لكل قبيلة مرجعية ترجع لها في السلم والحرب !!
أما سكان المناطق الساحلية فكانوا يعتمدون في معيشتهم على صيد الأسماك وتجارة اللؤلؤ !! ولعل عدم الاستقرار في مكان واحد لدى تلك القبائل العربية البدوية يعود إلى أنهم كانوا يأنفون من مهنة الزراعة وصيد الأسماك إلا في ما ندر مثل الحواضر التاريخية القديمة في بعض مدن الحجاز ونجران والسواحل وبعض الواحات الصغيرة المتناثرة في شبه الجزيرة العربية .
وبالرغم من ذلك قامت مراكز حضارية زراعية في أقاليم اليمن الرئيسية مثل : سبأ – الجوف – شبوة – حضرموت – ظفار – مرخة – بيحان – أحور _أبين – لحج وغيرها .. لجودة المناخ ومياه الأمطار الغزيرة وخصوبة التربة الزراعية وبناء السدود ووفرة المحاصيل الزراعية في تلك المناطق ..كل ذلك ساعد على قيام ممالك قوية فيها ولكنها كانت متفرقة ومتحاربة فيما بينها.. كما ساعد موقع اليمن الجغرافي الفريد وإطلالة موانئه العديدة على البحر العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر على الاشتغال بالتجارة مما اكسبها شهرة واسعة في العالم القديم حيث كانت موانئ : عدن ,و قنا في شبوة , والشحر في حضرموت تعتبر مراكز حضارية هامة لاستقبال عروض التجارة القادمة بحرا من آسيا وخاصة من الصين والهند قبل اكتشاف رأس الرجاء الصالح وحفر قناة السويس بآلاف السنين حيث كان يتم نقل حمولة السفن التجارية التي تصل إلى الموانئ الجنوبية ثم تنقل إلى غزة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط بواسطة الجمال خلال 65 يوما .
الممالك اليمنية القديمة :
قامت في العربية السعيدة عدة ممالك قديمة منذ فجر التاريخ مثل : مملكة معين – مملكة سبأ – مملكة أوسان – مملكة قتبان – مملكة حضرموت – مملكة حمير . وقد نهضت تلك الممالك حضاريا في رملة السبعتين في معظمها ما عدا مملكتي سبأ في مأرب , ومملكة معين في الجوف . ورغم ازدهار تلك الممالك إلا أنها كانت في حروب متواصلة ومنافسات مستمرة على النفوذ فيما بينها وكانت كل مملكة تتوسع على حساب الأخرى من خلال قوتها وضعف جاراتها من الممالك الأخرى . وفي الجنوب قامت أهم الممالك التاريخية الآتية :
1- مملكة قتبان 115 قبل الميلاد في وادي بيحان وعاصمتها " تمنع " .
2- مملكة حضرموت 1120 قبل الميلاد على مسيل وادي عرمه وعاصمتها " شبوه "
3- مملكة أوسان منذ القرن العاشر قبل الميلاد على وادي مرخه وعاصمتها " هجر الناب " .
4- وفي اليمن قامت ممالك أخرى مثل :
- مملكة معين 1300 قبل الميلاد وتقع على وادي مذاب وعاصمتها " قرناو " في الجوف .
- مملكة سبأ 800 قبل الميلاد وتقع على وادي ذنه وعاصمتها " مأرب "
- مملكة حمير وذو ريدان 115 قبل الميلاد وتمتد إلى أودية المشرق في الجنوب وعاصمتها " ظفار " .
وعند ظهور الإسلام كانت المنطقة تتكون من 3 مخاليف وهي : 1
- مخلاف صنعاء 2- مخلاف الجند 3- مخلاف حضرموت واستمرت تلك التقسيمات منذ العهد النبوي ثم العهد الأموي وحتى الدولة العباسية وعندما استقلت بعض الأقاليم عن الدولة العباسية كانت كالأتي :
1- بعض أجزاء من اليمن الشمالي " حاليا " كانت تحكم بواسطة آل يعفر الحواليون في كوكبان إلى الغرب من صنعاء .
3- الجنوب العربي " حاليا " كان يحكمه بنو معن عندما كانوا نوابا للدولة الزيادية التي أقامها محمد بن زياد الذي حكم أيضا تهامة وزبيد ومخلاف الجند . - وفي عهد الصليحيين " 444-569هـ " كانت تلك النواحي تحت سلطتهم إلا أن ضعف الدولة أدى إلى خروج بعض المناطق عن سلطتها مثل " صعدة وما حولها " التي حكمها الأئمة لبعض الوقت . ثم حكمتها دولة بني رسول " 226-858هـ " وتوحدت أقاليم اليمن تحت حكمهم مدة 100 عام فقط .
4- وفي عام " 750هـ " بدأت بعض المناطق تحكم بواسطة الأئمة والمشايخ . وفي عهد بني رسول وبنو طاهر " 858-945هـ " توحدت اليمن حتى حدود صنعاء ولم تصل صعدة .
5- أما حضرموت فقد استقلت بالتراضي مع بني طاهر عام " 1500م " واحتلوا اليمن وظلت الحرب مستعرة بينهم وبين الأئمة حتى انسحبوا من اليمن عام " 1635م " . ويعتبر عام " 1538م" هو الانفصال النهائي بين الشمال والجنوب بسبب الخلاف المذهبي والى اللقاء في الحلقة القادمة .
د.علوي عمر بن فريد