سأبدأ هنا برسالتي إلى المقاتلين في أبين وشبوة من أبناء الجنوب الذين يوجهون فوهات بنادقهم وقذائف مدفعياتهم باتجاه إخوتهم الجنوبيين لأقول لهم ملخص سؤالي:
إذا كنتم تقاتلون إخوتكم الجنوبيين من أجل الرئيس هادي فإن الرئيس هادي في طريقه إلى مكان التقاعد البعيد عن صنعاء وعدن وحتى عن الرياض؟ أما إذا كنتم تقاتلون من أجل الرئيس اليمني القادم، (النائب علي محسن الأحمر على الأرجح)، فاعطونا سبباً مقنعاً واحداً يبرر لكم هذا وسنذهب معكم للقتال من أجله؟
* * *
في الشهرين الأخيرين تداولت عشرات المواقع الإلكترونية والصحف الورقية (الإصلاحية على الغالب) أخباراً وتسريباتٍ كلها تتحدث عن نهاية عهد الرئيس هادي، ودخول مرحلة ما بعد هادي.
أحد المواقع الذي يديره من نيويورك أحد المقربين من النائب علي محسن نشر خبراً عن "مجلس رئاسي لمرحلة ما بعد هادي" وتحدث عن الرئيس الذي سيتولى تسلم الصلاحيات من هادي، مع بقاء الأخير بصلاحيات رمزية، لكن الأمر تطور خلال أقل من اسبوعين لتنقل مواقع عديدة أخباراً ومقابلاتٍ تلفيزيونية مع محامين وناشطين سياسيين إصلاحيين يقولون فيها أن الرئيس الجديد جاهز وهو نائب الرئيس الحالي (الجنرال علي محسن الأحمر)، وهو الحلم الذي ظل يراود الرجل منذ أحداث الحجرية في أوكتوبر 1978م عندما تولى مع شقيق الرئيس السابق دك منازل أبناء الحجرية فوق رؤوس سكانها بعد فشل الانقلاب الناصري السلمي.
وبعد العديد من التسريبات المتقاربة كثيراً والمتفاوتة قليلاً جاءت آخر الأخبار عن إحالة الرئيس هادي إلى التقاعد ومنحة قصراً كبيراً له ولأفراد عائلته وأحفاده، وحدد المسربون مكان القصر وسعره ومن يتولى دفع الكلفة، ومسألة نقل الأولاد والأحفاد مفهومة في الحالة السياسية اليمنية فلا يمكن أن يكون ناصر عبد ربه منصور قائدا لحراسة الجنرال علي محسن الأحمر عندما يغدو رئيسا بعد وقت قد لا يطول.
إنني أنقل هنا صورة من الواقع عما يعتمل في العقلين الباطن والواعي للمحيطين بمكتب رئيس الجمهورية الذي يرسل عدداً من أبناء محافظته على رأس فيالق قادمة من مأرب وعمران وحجة والمحويت وخولان، للقتال في أبين وشبوة، تحت حجة "الدفاع عن شرعية الرئيس هادي".
* * *
منذ اليوم الأول لخروج الرئيس هادي من صنعاء بعد أن خذلته كل القوى السياسية الشمالية، لم يدافع عنه غير الجنوبيين، وكان على رأس هؤلاء المدافعين من دفع حياته ثمنا لهذا الموقف، ولو أشرنا إلى عدد من الأسماء كالشهداء اللواء علي ناصر هادي واللواء جعفر محمد سعد واللواء أحمد سيف محسن والعميد عمر الصبيحي وعشرات العمداء والعقداء فإن القائمة لا تتسع لآلاف الشهداء من العسكريين والمدنيين الجنوبيين الذين سقطوا في جبهات المواجهة في محيط عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة، وهم يواجهون التحالف الانقلابي حينما كان المحيطون برئيس الجمهورية اليوم إما يبحثون عن ملابس يتقنعون بها وطرق يتسللون عبرها للهروب من مواجهة الجائحة الانقلابية أو يرددون الصرخة من على منصة ميدان السبعين.
مأزق الرئيس هادي يكمن في أنه يتكئ على حلفاء يمنيين يبغضونه ولديهم الاستعداد لبيعه عند أقرب صفقة، لكنهم يحتفظون به لظروف لا علاقة لها بتقبله والوفاء معه، والجانب الآخر من المأزق أنه (اي الرئيس) ومن أجل الحلفاء (غير الأوفيا) يخسر الشركاء الصادقين والأوفيا ويحاربهم باسم الحفاظ على الشرعية التي تتآكل يوماً بعد يوم بسبب تخاذل الحلفاء المرائين، وهكذا فلا هو حافظ على وفاء الجنوبيين معه ولا هو نجح في كسب ود ووفاء نخبة الساسة الشماليين المستثمرين في اسمه وموقعه، مع احترامنا لملايين الشماليين المغلوب على أمرهم والواقعين بين الخيارين السيء والأكثر سوءً.
وأعود إلى ما بدأت به: إن الذين اختطفوا الرئيس وشرعيته قد حددوا مصيره، وما التسريبات سوى جرعة نفسية لترويض الرأي العام (وفي المقدمة أقارب الرئيسي ومؤيديه) على تقبل القرار الذي سيتخذ بعزل الرجل، وباسم الأغلبية (والأغلبية شمالية كما هو معروف) وما أكثر الحجج التي سيستخدمها هؤلاء لإقناع التحالف العربي والرعاة الدوليين بوجاهة القرار، ويكفي أن ينشروا ما سبق وأن نشروه عن فساد أبناء الرئيس ومدراء مكتبه وعن عجز الرئيس وفشله في هزيمة الانقلابيين، وعن نزعته التآمرية وتخليه عن العاصمة للحوثيين وغيرها من المتناثرات هنا وهناك التي لو أمكن جمعها في ملف واحد لشكلت مبرراً كافياً لعزل أنزه الرؤساء وأكثرهم عدلاً وكفاءةْ.
فهل يقتنع أهلنا المقاتلين في أبين وشبوة ضد أهلهم الجنوبيين أنهم يعملون في المكان الخطأ ومن أجل الهدف الخطأ ومع الحلفاء الخطأ؟ أم إنهم سيستمرون في التضحية بأنفسهم وبإخوتهم من أجل الأهداف الخفية للتحالف الذي يتاجر باسم الرئيس وشرعيته؟؟؟