تركت عدن في عام ١٩٧٤و زرتها لأول مرة في عام ١٩٩٠، فور دخولي مطار عدن لمست بأن الرفاق لم يعبثو بالنظام و القانون، و عند خروجي من المطار المتواضع وشاهدت المدينة البيضاء التي لم تعد بيضاء و الكثير من المباني التي بنيت في ايام بريطانيا و التي كانت بحاجة ماسة للصيانة، كان تقريبا كل شيء هو هو و لكنه كان بحاجة الى صيانة.
ذهبت الى مركز شرطة خورمكسر المتواضع لاستخراج رخصة السواقة التي كنت قد تحصلت عليها في عام ١٩٧١، و بكل حرفية أتاني الشرطي بملفي القديم و دفعت ما كان يتوجب دفعه و أعطاني استلام.
طبعا عاد بي شريط الذكريات الى ايام زمان بحلوها و مُرها و كنت متفائل بتولي جورباتشوف قيادة الاتحاد السوفيتي بانه لعل و عسى أن يكون هناك تقارب بين الجنوب و بين دول الخليج على قول المثل من ماشى المساعيد سعد و من ماشى المتاعيس تعس، و لكن الرفيق علي سالم البيض كان لديه مخطط اخر لإسعاد شعب الجنوب و تعويضه عن سنين الحرمان.
عدت مرتان أخريات مرة في عام ١٩٩٢ و مرة في شهر مارس من عام ١٩٩٤ و لم تتغير عدن كثيرا باستثناء بعض البيوت الجديدة التي بناها المغتربين او فندق او فندقين جديدات، استقليت طائرة اليمدا من ابوظبي الى عدن ولا اتذكر لماذا كانت رئيسة المضيفات في الطائرة امراءة من كندا، اعتقد انه كان هناك اتفاقية مع شركة طيران كبرى آنذاك و قالت لي بأن عدن is a diamond in the rough، جوهرة بحاجة الى صقل.
كان آنذاك بصحبتي شقيقي قيصر طيب الله ثراه و الذي كانت اول زيارة له لعدن من أن غادرها في عام ١٩٧١ و كان اول طلب له هو زيارة بيتنا القديم في حافة و حسين و من ثم كلية عدن، كان في حالة ذهول كيف أن عدن لم تتغير و كيف انها كانت بحاجة الى صيانة و الى عملية شد وجه و كان سعيد جدا برؤية عدن، كان رحمه الله شخص متفائل بطبيعته.
زرت عدن مرة اخرى في ١٩٩٧ بعد الحرب الغادرة و كانت المفاجاة صادمة، أختفى النظام و القانون. الجنوب لم يكن جنة الله في ارضه بعد أن تولى الرفاق الحكم، و لكن ذهب النظام و القانون واختفى الامن و الأمان، تم تدمير النظام التربوي و النظام الصحي المتواضع، تم تدمير كل ما هو جميل و فرض على عدن و الجنوب تقاليد و أعراف المملكة المتوكلية اليمنية و تم استبدال نظام المحاسبة المالية البريطاني بالنظام المحاسبي العثماني، اختفى مفهوم المحاسبة في كل المجالات، ظهر التطرّف الديني و تمت ادخال عناصر ارهابية الى الجنوب و في زمن قياسي تغيرت الكثير من العقليات في الجنوب الى عقليات زمن ما بعد الوحدة.
و كنت قد نسيت رخصة سواقتي الجنوبية في ابوظبي و نويت أن استخرج رخصة سواقة اخرى، ذهبت الى نفس مركز الشرطة في خورمكسر التي اصبح في حالة يرثى لهاو لم يكن ملفي موجود و كان علي دفع مبلغ للحصول على رخصة جديدة فرفضت ذلك و قلت مرحبا بك في الجمهورية اليمنية، جمهورية الوحدة.
كان من الاولى للحزب الحاكم آنذاك حل مشكلة التأميم الكارثية التي قسمت المجتمع الجنوبي وإعادة املاك الناس الى اَهلها بدلا من الدخول في وحدة دمرت نواة كل شيء مدني.
كما ذكرت لم يكن الجنوب جنة الله في ارضه و لكن كان هناك على الأقل نواة لدولة مدنية مثل القضاء و النظام و القانون و احترام التدريس و المدرسين و هل يستطيع دعاة الوحدة نكران ذلك.
سبب دخولنا في الوحدة هو أن السلطة في الجنوب كانت إقصائية و كانت بيد مجموعة غير مؤهلة للحكم ، و أتمنى ان نكون قد استفدنا من هذه التجربة المريرة.
مستقبل الأجيال القادمة هو بيد الشمال و الجنوب و ليس بيد الدول الإقليمية و المجتمع الدولي، علينا أن نقعد على طاولة واحدة و ننظر في أعين بعضنا الوقت و نقر بان الوحدة لم تنجح و لم تحقق اي مراد نافع للغالبية العظمى باستثناء قلة قليلة، بل استفادت نفس العصابة التي حكمت اليمن و أفرغت محتواه منذ ٢٦ سبتبمبر ١٩٦٢ و حفنة من مرتزقتهم في الجنوب.
غسان لقمان ..