ما زلت أفترض أن في التجمع اليمني للإصلاح عددا من العقلاء الذين قد لا يكونون في موقع صناعة القرار الإصلاحي، وبالضبط ليسوا وحدهم من يصنع القرار، وأن الكثير من قواعد الإصلاح وقياداته الوسطى وقليل من القيادة العليا ليسوا راضين عن النهج السياسي لقيادة الإصلاح ومتنفذيه، وهؤلاء يمكن أن يساهموا في عقلنة سياسة حزبهم وتحريره من جناحي التطرف الأصولي والقبلي والتهور والطيش العسكري.
يغضب الإخوة في الإصلاح عندما يقول قائل أنهم هم الحزب الحاكم، وبالتحديد حزب الأغلبية الحاكمة، بيد إن الحقيقة التي لا يمكن التنكر لها هي إن القرار السياسي "للشرعية" لا يخرج إلا بعد إنضاجه في مطابخ الإصلاح عبر الممسكين بالمؤسسة الرئاسية ورئاسة الوزراء وعدد ليس قليل من المستشارين والوزراء شديدي الحضور حتى وهم بلا مكاتب ولا مقرات ولا ينفذون شيئا من مهام وزاراتهم.
كما لا يمكن إنكار أن القرار العسكري والأمني هو بيد اللوبي الإصلاحي من خلال عناصر الدولة العميقة في وزارات الدفاع والداخلية والأمن وبقية الوزارات التي تغلغل فيها الإخوان، وحتى حيث لا يكون الوزير وزيرهم فإنهم يحيطونه بكتلة صلدة من النواب والوكلاء ومدراء العموم بحيث يصبح الوزير كالنبتة الغريبة وسط حقل من الحشائش والأعشاب ذات النوع الواحد.
والأهم من كل هذا هو إن هيمنة الإخوان تتعزز من خلال نائب رئيس الجمهورية الممسك بالملفين العسكري والأمني بجانب الملف التنفيذي.
ولن أتناول الفنيين الخفيين الذين يهيمنون على مكاتب كل من رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الوزراء والوزراء والمحافظين حيث لا يحضر محافظ إصلاحي إلا وتشتعل الفتن وتنشأ النزاعات المسلحة.
وأخيرا نأتي لأكذوبة الجيش الوطني، فالجميع يعرف أنه هذه التسمية كانت تطلق على القوات التي أنشأها الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على مدى ثلث قرن من حكمه، لكن هذا الجيش (بغض النظر عما إذا كان وطنياً أو غير وطنيٍ) قد تبخر بعيد سقوط صنعا بيد الحوثيين، بينما شهدت الوحدات التي بقيت تحت سلطة وزير الدفاع عملية ملشنة واسعة النطاق تمكن من خلالها حزب الإصلاح عبر علي محسن ووزير الدفاع من حشد مئات الآلاف من الأسماء الحقيقية والوهمية، شملت تلك العملية جيوشا من أعضاء وأنصار الحزب واستقطاب أعضاء وأنصار جدد فتحول ما يسمونه ب"الجيش الوطني" إلى مليشيا حزبية آيديولوجية إصلاحية بكل معاني الكلمة.
أعرف أن هذا لا يعجب الزملاء الإصلاحيين، فهم يدأبون دائما على إنكار الحقيقة ظناً منهم أن مجرد الإنكار يعفيهم من مسؤولية الإخفاقات التي عاشتها وتعيشها البلاد على مدى عقود.
سأختصر نصيحتي هذه في جملة من الحقائق سأتناولها في منشور لاحق، لكن ملخصها: إنكم اليوم وفي ظل هيمنتكم على صناعة القرار (الشرعي) المسؤول الأول عن كل المآسي التي وصلت إليها البلاد منذ انخراطكم في الحرب على الجنوب، حتى السطو على الثورة الشبابية السلمية وإفشال حكومة الوفاق حتى إيصال الحوثيين إلى قصر الستين، وإفشال عمل (الشرعية) في محافظات الجنوب المحررة حتى تسليم المدن والمعسكرات والمواقع للحوثيين في نهم والجوف ومأرب وقبلها عتمة وحجور، حتى ما تشنونه من حرب على الجنوب لاجتياح العاصمة التي أعلنتموها مدينةً منكوبة.
وسأتناول كل هذه القضايا في الحلقة القادمة.