ماذا تعني ولماذا الان ؟.
في الوقت الذي لم نلق جوابا على تساؤلاتنا المتكررة منذ سنوات عن غياب السلطة القضائية وإغلاق المحاكم والنيابات رغم إمتلاء السجون بمن استكملت تحقيقاتهم وملفات اتهاماتهم الاولية بل وتجاوزهم فترات الاحتجاز القانونية، كانت "الشرعية" تنتقي بعض القضايا الجنائية التي تشغل الراي العام المحلي لتحقيق مكاسب دعائية مؤقتة واستثمارها في إطار المماحكات والمناكفات مع او ضد الآخر ومنها على سبيل المثال :
- جريمة إغتيال عميدة كلية العلوم الصحية وابنها وطفلته في إنماء ، مايو 2018م.
- جريمة إغتصاب طفل في المعلا ، ديسمبر 2018م.
وفي الوقت الذي يفترض ان تكون المحاكم والنيابات مغلقة ابوابها كاجراء إحترازي جراء جائحة كورونا او كما تنص الفقرة التالية من قرار مجلس القضاء الاعلى بتعليق عمل المحاكم والنيابات : (اقر مجلس القضاء الاعلى في اليمن تعليق العمل في المحاكم والنيابات اعتبارا من 18 مارس واعتماد شهر شعبان 1441هـ اجازة قضائية الى جانب شهر رمضان نظرا للحالة الوبائية التي تجتاح العالم بسبب فيروس كورونا ومساندة جهود الدولة بشأن الاجراءات المتخذة لمواجهة الوباء ، وحفاضا على سلامة القضاة واعضاء النيابة والعاملين في السلك القضائي والمتقاضين والمحامين).
ورغم ذلك تفتح المحكمة الجزائية في عدن ابوابها لمحاكمة قيادات مليشيا الحوثي، بتهمة الانقلاب على المؤسسات الدستورية في البلاد.
-ماذا تعني المحاكمة في عدن ولماذا الان ؟.
المحاكمات عادة هي لإعلاء هيبة الدولة وبسط سلطة القانون ، اما المحاكمات في زمن الحرب تفيد بانتهاء الحرب عمليا وعلى الطرف ( المنتصر ) ان يشرع اولا في البحث عن بقايا السلطات ومؤسسات الدولة واجهزتها وتفعيلها ما امكنه ذلك، ومن خلالها تتضح ملامح المرحلة بـ(العدالة الانتقالية ) من مساحة النصر لا بشروط المنتصر .
واضح ان الشرعية تفتقر لاسباب النصر بل وأسباب البقاء على هذا النحو من سوء الطالع وسوء المنقلب كما فقدت عمليا مبررات الإحترام بعد الهزائم الأخلاقية المتلاحقة في نهم والجوف ومأرب والتي أهدت الحوثي نصرا بلا حرب ، ويوم من الدهر لم يصنعه الحوثي بيديه بل صنعته شمس الشرعية.
ولانها كذلك فان لاشيء يبقي على حظوظها وعلاقتها بالتحالف وينفي عنها تهمة التعاون مع الحوثي وتسهيل مهمته وانجاز مشروعه التخريبي في المنطقة ، الا الهروب الى الامام من مأزقها بهذه الحيلة (المحاكمة غيابيا) لرموز الانقلاب الحوثي لتجديد الشعور بجدية الصراع واستمرار الحرب وعدم الاستسلام وقبل ذلك تحويل الانظار الى عدن بدلا عن مأرب وهذا اولا.
ثانيا : وان حقق الحوثي نصر مؤقت في الشمال فان الشرعية قد حققت نصر مستدام قبله في الجنوب.
ثالثا : وان خسرت الشرعية الشمال في هذه المرحلة فانها لن تخسر الجنوب وبهذا تحقق التوازن المرجو الذي يبقي الحوثي تحت رحمتها طالما امتلكت الشرعية حرية الحركة والتحكم في المعابر والموانئ والمنافذ وادارة الموارد والوظائف ومسنودة بدول التحالف.
رابعا: التأكيد على ان الحرب لم تزل بين (شرعية وانقلاب) ، بدليل ان مليشيات الحوثي تستطيع ان تحاكم رموز الشرعية في صنعاء التي تسيطر عليها دون اعتراض من احد، والشرعية تستطيع ان تحاكم رموز الانقلاب في عدن التي ( تسيطر عليها) دون اعتراض من احد !.
خامسا: إذا ما وجدت معارضة شمالية للمحاكمات والاحكام الغير قانونية لرموز الشرعية او ضد اي ممارسات لمليشيات الحوثي في صنعاء فان تلك المعارضة تعد عملا وطنيا ومكسبا للشرعية يستوجب الدعم والاشادة. واما اذا خرجت اصوات في عدن تطالب بوقف محاكمة رموز الانقلاب او المطالبة بنقلها الى مكان آخر فانهم يقدمون الدليل على تحالفهم مع مليشيات الحوثي وبالتالي الدليل على علاقتهم بايران.
سادسا: استمرار المحاكمة يمنح الشرعية المزيد من الوقت ومساحة المناورة للتنصل من اتفاق الرياض ما استطاعوا ذلك ، وفرض امر واقع جديد في عدن بشكل تدريجي.
سابعا: المحاكمة في عدن هي محاولة لتحويل الهزيمة الخلاقية في مأرب الى نصرين في عدن ، الاول نصر معنوي على الحوثي ولو من حيث الشكل ، والثاني نصر سياسي على الانتقالي من حيث المضمون !.
شهاب الحامد
عدن
3/إبريل/ 2020