حاولت بعض الأطراف الحزبية اليمنية توظيف الدين وإقحامه في الصراع السياسي الذي نشب بين شريكي الوحدة في الشمال والجنوب ، مما مهد وخلق التربة الملائمة للسيطرة على الجنوب واحتلاله ونهب ثرواته تحت ستار الدين والشرع ، والتخلي على فكرة الشراكة والتوافق في السير في مشروع الوحدة ، فبعض القوى نظرت للجنوب وشعبه وأرضه بأنهم كفار شوعيون خارجين عن الدين يجب إعادتهم للإسلام وعودة الفرع " الجنوب " للأصل " صنعاء " ، واندلعت حرب صيف 1994م بتكبيرات الله اكبر ، وإعلان الجهاد ضد الجنوب وشعبه في فتوى عبد الوهاب الديلمي المشهورة المشؤومة القيادي الإصلاحي ، وتم أيضا ترسيخ ثقافة ومبدأ الغنائم والسلب والنهب ، واستحلال الأرض والثروة تحت مظلة دينية سياسية في الأصل تتستر بالدين للوصول لإغراض سياسية وحزبية ونفعية .
فعقلية الفيد والنهب والاستلاب لمؤسسات الجنوب ورفض قوانينه واحتلال مساجده وأراضيه ما زالت تراود بعض القوى الحزبية والدينية وربما السياسية ، وهذه النظر تبرز بحبالها النتنة وخطاباتها التحريضية الاقصائية عند بعض القوى الدينية والسلفية ، بل وعرضتها بعض الأحزاب والقوى في رؤاها وبرامجها الحزبية في مؤتمر الحوار الوطني وخطابات قياداتها ، وجعلت هذه القيادات تعيد أخطاء وماسي الماضي ، وتسييس الدين وإطلاق الفتوى لتهديد الجنوب وإعادة شعبه إلى بيت الطاعة واتهامهم بالكفر ، وأطلقت شعارات الوحدة معمدة بالدم ، والصلاة السادسة على الوحدة ، إضافة إلى تصريح قيادي مشهور بأنه سيرسل الآلاف من مقاتليه ورجاله القبليين لإعادة الجنوب وشعبه إلى بيت الطاعة باسم الدين والمرجعية القبلية المتخلفة .
يشعر الجنوبيون بحساسية عالية جدا تجاه هذه الخطابات والفتاوى الدينية السياسية ، وتعادوهم ذكريات الماضي الأليم لحرب 1994م وما تبعها من سياسيات اقصائية شرعت نهب الجنوب والسيطرة على ثرواته وأراضيه باسم الدين ، وتحت مظلة الفتوى الدينية ارتكبت الماسي ووفرت الجو الخصب للظلم وأخطاء الماضي ، وما زال هذا الخوف يزداد ويتضخم مع إصرار بعض الأطراف الحزبية السياسية لتوظيف الدين لخلق صراع سياسي اجتماعي بين الجنوب والشمال على أساس ديني وطائفي ومذهبي .
الظاهرة الغربية والعجيبة بان بعض التيارات والمكونات الجنوبية جعلوا يستغلون ويوظفون التيار الديني وخطب الجمعة ومنابر المساجد وفتاوى ما يسمى بالعلماء لترسيخ هذا الصراع الديني بين أبناء الشعب ومحاولة الاستفادة من زخم التيار الديني لخلق صراع ديني بين مكونات الوطن . ولا ننسى استضافة الحراك الجنوبي للقيادي الديني القبلي طارق الفضيلي ، وجعله ناطقا رسميا باسم الحراك ، واستعمال شعارات الدينية في محاربة الأمريكان ، وفرض رؤى سياسية لبعض مكونات بالحراك لتطبيق أهدافها ونظرتها للقضية الجنوبية تحت ظل الفتوى الدينية ، فما كان من القيادي الفضلي ، إلا إن ادخل الحراك في صراعات سياسية ودينية وقبلية بين أبناء الجنوب أنفسهم ، وانتهت هذه المغامرة الدينية للحراك بان رفع الفضلي علم أمريكا فوق بيته تأييدا لأمريكا ومشاريعها الغريبة .
ولا تخلو أي موقع أو صفحة أو وسيلة إعلامية إلا وتسمع خطبة أو فتوى من بعض خطباء المساجد في الجنوب التي يحاول فيها هؤلاء الاتجاه الديني إطلاق فتوى أو خطابا دينيا تحريضيا يسس قضية سياسية اجتماعية ويحرف الخلاف من خلاف سياسي إلى خلاف ديني مذهبي يسعى فيه اليمنيون لحل قضية الجنوب بالطرق السلمية الحضارية عن طريق التوافق والحوار والبحث عن صيغة عيش مشتركة تستوعب الجميع وتتجاوز أخطاء وممارسات الماضي . هذا الاتجاه الديني المتزايد الوافد على الثقافة والنضال الجنوبي يحاول جر المجتمع والحراك والجنوب لصراع ديني من خلال استغلال مظلومية الجنوب التي تجيز له رد الظلم ورفضه ، وربما مواجهة الآخر بالعنف والقوى تحت ظل الفتوى الدينية ، ليقابل هذا الاتجاه والفكر والمنطق بمنطق آخر قائم على توظيف الخطاب الديني لأغراض سياسية ليتناحر أبناء اليمن والبلد الواحد ، ويقتل المسلم أخيه المسلم تحت حجة الجهاد والفتوى ، فالكل يوظف الشرع والدين لأغراضه السياسية الحزبية الضيقة .
لابد للعقلاء من قيادات وكوارد ومكونات الجنوب الحذر من هذه السياسية الجهنمية ، والسير في الاستفادة من الغطاء الديني ، واستغلال العاطفة والتدين عند بسطاء الناس لأغراض سياسية قد تكسب صاحبها والمستفيد منها مطالب ومنافع قصيرة الأمد ، لكنها مرشحة لخلق من المشاكل والأزمات والصراعات والنزاعات مما سيخلق مستقبلا بؤرة صراع محلية وإقليمية وخارجية ليتوافد المتحمسون والمغرر بهم لتطبيق شرع الله ، ونصرة الفتوى المتنازعة والمختلفة التي تصف الانفصال والفدرالية بالكفر ليقابلها نهجا وفريقا يرى بان الجنوب ظلم ونهب باسم الدين ويلزم أبناءه وشعبه بالجهاد والدفاع عن أرضهم وحقوقهم لتصير اليمن سوريا جديدة متصارعة ومتنازعة خدمة لمشاريع استعمارية ومشبوهة تخدم مشعليها والمستفيدين منها ، ليكون اليمن ساحة جهاد وصراع بين الأحزاب والقوى والحركات والمشاريع الخارجية ، والإسلام والدين برئ من هذا التنازع والصراع والعنف السياسي .