تعرفت عليه بالمصادفة عندما ركبت الحافلة عائداً إلى المنزل، وقرأت في وجهه سحنته الجنوبية وملامح البساطة والنزوح، وعرفت أنه متجهٌ إلى العمل وأنه يعمل في النجارة وأعمال الصيانة المنزلية.
تكررت لقاءاتنا فشمل حديثنا التعرف على سنوات النزوح وأسبابه والأعمال والمؤهلات السابقة، وعرفت منه أنه كان صف ضابط في أمن الدولة ثم انتقل إلى حراسة نائب الرئيس علي سالم البيض بعد عام 1990م وبقي حتى العام 1994م.
"والبقية أنت تعرفها".
هكذا قال لي، فسألته عن المستحقات الراهنة وحقوقه التقاعدية عند الدولة اليمنية فقال لي: لقد بعت أرضية وممتلكات في الأرياف و"طين" (أي أرض زراعية) سخرت عائداتها للمتابعة من أجل استرجاع مستحقاتي في صنعاء لكن كان الجواب جاهزاً:
"أنتم انفصاليين من أصحاب البيض، فبأي حق تطالبوننا"؟؟
وأكد لي أن متابعاته استمرت حتى السنوات القريبة، أي قبل الانقلاب الحوثي، وما تزال مستحقاته متوقفة وقد يأس الوكلاء وكفوا عن المتابعة بعد أن استنفدوا كل الممكنات، ثم جاءت أحداث 2014م وما تلاها لتقتل أي أمل بإمكانية استرجاعه الحقوق القانونية الاعتيادية التي يحصل عليها كل من وقفوا مع الانقلاب أو ضده، ومع الشرعية أو ضدها، ومع الثورة الشبابية أو ضدها، بما في ذلك القضاة الذين يحاكمون زعماء وقادة الشرعية ويصادرون أملاكهم.
حالة هذا الصديق ليست حالة فردية ولا وحيدة بل إنها تمثل وضع شعبٍ بكامله من الرافضين لنتائج حرب 1994م، إذا ما استثنينا بعض الذين يئسوا وبحثوا لهم عن حلول لدى المنتصرين في هذه الحرب واضطروا إلى إدانة أنفسهم وتاريخهم ومواقفهم لقاء استرجاع بعض ما يستحقون من الحقوق، وبعضهم حصل على الكثير مما لا يستحقون.
لا أرغب في إزعاج بعض (أصدقائي) السابقين من أنصار الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، ممن شاركوا في غزو الجنوب وتدمير دولته ودافعوا عن الانقلاب الحوثي وتحالفوا معه وقاتلوا في صفوف الانقلابيين وقَتَلوا ما استطاعوا ومن استطاعوا، ثم اتبعوا مؤشر التغيير فاختاروا دعم الشرعية التي كانوا يلعنونها آناء الليل وأطراف النهار، وبعضهم ما يزال يلعنها في سره مع الاحتفاظ بمستحقاته لديها، لكنني، وبعيداً عن كل ما يتصل بالقضية الجنوبية من بديهيات ومسلمات وملابسات وتعقيدات، أريد التذكير بالنقاط التالية عن حالة من يسميهم البعض بـ"أتباع علي سالم البيض":