حينما اختار الحراك النهج السلمي لحراكهم وثورتهم منذ انطلاقتها كان اختيارا سلميا ونهجا سياسيا وواقعيا صائبا ، فالواقع المعاشي فيما يعرف بثورات الربيع العربي عندما استعجل الثوار النصر ، واختاروا السلاح والعنف وسيلة للحوار ، فان مطالبهم وقضاياهم انحرفت وضيعت هدفها ، وجعلت غاياتهم النبيلة غنيمة للقوى الانتهازية في الداخل والخارج .
فالتاريخ المعاش في الرقعة الجغرافية العربية يظهر انحراف مطالب الشعب والنخب في ليبيا حين ركب الغرب والناتو موجة الثورة مما نسف ما تبقى من هياكل وإطلال الدولة لتستحيل أراضي وأجواء وبحار ليبيا تجارة رائجة للشركات الليبية وسط قوى وقبائل وشظايا شعب تتبادل الصراع القبلي والديني والطائفي والمناطقي ، ويكاد يجمع الخبراء والمراقبون بان سوريا تحوّلت الثورة لفريسة تتناهشها القوى الدينية المتطرفة والمشاريع الإقليمية والخارجية بسبب تعجل النصر ، واختيار النهج العنفي المسلح لحسم ما قيل بأنها ثورة سلمية .
النهج السلمي مكَّن الحراك الجنوبي وإعطاء القضية الجنوبية قوة ناعمة اعترف بها الداخل والخارج ، وأصبح الكثير من أبناء اليمن على مختلف مشاربهم وأهوائهم ومناطقهم يؤمنون بحق الجنوب ، ووجوب إنصاف أبناءه ، ورفع الظلم والغبن والقهر والتهميش الذي خيم في سماء ووديان وأراضي الجنوب .
القضية الجنوبية بسبب هذا النضال السلمي يزايد الكل في الاعتراف بها ، ويرفع صوته مطالبا بإنصاف الجنوب وقواه وشرائحه ، وتوالت الاعتذارات والإقرارات بالخطأ ، وطلب الغفران بسبب النهج السلمي الذي، رفض المشي مع ردة الفعل العنيفة ، وواجه الظلم والإقصاء والتهميش من خلال النضال السلمي الحضاري .
مع تعدد مكونات الحراك وتعدد المشاريع وتعقّد المشهد السياسي والاجتماعي برزت بعض الأخطاء الفردية ، وتوسعت التصرفات والسلوكيات المنافية للنهج السلمي .
في الذكرى الثالثة والعشرين للسابع والعشرين من ابريل والذي يسميه البعض " بذكرى الاحتلال " ويسميها الآخر " بذكرى الديمقراطية " خرجت مسيرات ومظاهرات واعتصامات جنوبية ومختلفة لمكونات جنوبية وقيادات مختلفة ؛ لإحياء هذه الذكرى المؤلمة والسيئة عند الجنوبيين ، وسميت هذه الفعاليات " بالعصيان المدني " ، لكن هذا العصيان المدني تم فرضه بالقوة وبالإجبار الإكراه ، فقد هُدّد بعض أصحاب المحلات التجارية والأسواق وتم إغلاقها بالإكراه ، مما تسبب في العديد من حالات الصراع والمواجهة بين الجنوبيين أنفسهم ، وعطّلت حياة المواطنين وسدّت موارد رزقهم من غير اختيارهم ، ووجد المواطن البسيط الباحث عن لقمة عيشه في صراعه اليومي بين الفاقة والحاجة ، وبين مواجهة أخيه وابنه الذي يمنعه من الخروج والبحث عن رزقه والتكسب لدنياه ، وللأسف نتج عن هذا السلوك الفردي الخاطئ مواجهات عنفيه وتبادل إطلاق نار بين مواطن يحتاج لنقل زوجته أو قريبته المريضة للمستشفى لقطع الطريق عنه بالعنوة من قبل شباب وأطفال لا يدركون عواقب سلوكهم وأفعالهم ! .
من المتعارف والمسلم به بان أي ظاهرة سياسية أو اجتماعية أو دينية أو معاشية قابله لحدوث الأخطاء ، وبروز السلبيات مع تراكم العمل والممارسة استجابة للرغبة البشرية المتصفة بالضعف والخطأ والنقصان ، الحركات والقوى والظواهر الحية هي التي تقوّم سلوكها وأعمالها وممارساتها ، وتقر السلوك والأفعال الايجابية وتطورها ، وتتجاوز السلوكيات والتصرفات السلبية والسيئة ، وتحاول البحث عن سبب وجذر هذه الممارسات ، وتشخصها بشكل دقيق وصادق ، ويتم حصرها في نطاق ضيق على طريق حلها وتذويبها .
على الرغم من التوفيق للشعار السلمي الذي يرفعه الحراك الجنوبي ، إلا إن البنية التنظيمية للحراك تفشل في تجاوز ظاهرة العنف المصاحب للفعاليات الشعبية ، وبعض السلوكيات السلبية ، والتي ستجر الحراك إلى صراع جنوبي جنوبي ، يكمن الخلل في اعتماد الحراك على قاعدة شبابية من صغار السن المستجيبين للشحن العاطفي ، وعدم الاستجابة للنخبة المثقفة التي تحدد الأهداف ، وتضبط الفعاليات من أعمال الشغب والفوضى في ظل قيادة متصلبة مختلفة ومتصادمة في الممارسات والرؤى النضالية .
دعوة العقلاء من أبناء الجنوب للقيادات ومختلف المكونات والقوى الجنوبية بالتزام النهج السلمي ، وقبول بتعدد الآراء والأفكار والممارسات ، وعدم تخوين ورفض أصحاب الرؤى والممارسات المخالفة فكريا وسياسيا لبعض الممارسات الخاطئة في ظل ثقافة إعلامية عند بعض الأحزاب والقوى التقليدية تريد وترغب في شيطنة الحراك وتشويه نضاله السلمي ، ووصفه بالحراك المسلح والعنيف ، والتغاضي عن واقع قبلي واجتماعي وسياسي قائم على تشرب ثقافة العنف والإقصاء والاحتكام للسلاح ، ونحر الاثوار والأبقار كنهج حياتي وسياسي ؟! .