من المؤكد أن يصاب المرء باللامبالاة فاليأس عندما يسمع شيئاً ويرى عكس ذلك في زمن إمتلأ بوعود عرقوبية يتجرعها المواطن ويأمل فيها تحسين وتغيير الموجود الى الأفضل فينتظرها على أحر من الجمر ويأتي الوعد ويتجاوز ماحدده هذا المسؤول أو ذاك فتتبخر الأحلام ولم يعد بسطاء الناس تصديق أي شيء أو سماع شيء الا صدقهم بيوم الوعد يوم الطامة الكبرى أما مايقرأونه ويسمعونه فأن المثل الشعبي " أذن من طين وأذن من عجين" ينطبق عليهم بعد أن كان مثلا يقال عن رجال السلطة لعدم إنصاتهم للشكاوى والصراخ والمعاناة وخوفي أنه بعد أن سدّ المواطن أذنيه يفقا عينيه عمداً كي لايرى ولايسمع من يضحك عليه مرات ويصدقه غصباً عنه لأنه يرى ويسمع ذلك من شخص رسمي يوعده بمشروع يعود بالخير والنفع للوطن أو إن معاملتة سيتم تخليصها في ظرف ساعات أو أن الأمراض والأوبئة سيتم القضاء عليها غداً أو ستصرف له بقعة أرض لبناء مسكن وينام على أحلام كلام ليصبح وكل ماقيل له في وسائل الإعلام مباراة بين مسئولينا في الكلام فيزداد المواطن إحباطاً ويأسا ولأنه لاحياة مع اليأس ظهر رجال غير الرجال الذين يتفوهون بالألفاظ.. غير الرجال الذين ألفنا كذبهم ومزاحهم الثقيل من خلال خطبهم وتصريحاتهم.. رجال آثروا الصمت على الكلام لأنهم حاسون بمايعانيه الناس أختاروا طريق الخير وتقمصوا رداءه فأبتعدوا عن شهوة وبريق السلطة ولذة الكذب والمتاجرة والمزايدة بقضايا ومعاناة الناس آثروا كرسي الآخرة على كرسي الدنيا فهجروا كرسي السلطة واهتدوا الى كرسي الخير بعد أن شاهدوا معاناة الناس والخلل المتفاقم في مفاصل السلطة المتمثل بمؤسساتها الخدماتية المرتبطة بحياة الناس اليومية كالصحة والتعليم التي افرزت عدم استقرار نفسي واجتماعي ونتج التقصير في هذه الخدمات تحت حجة وذريعة الاعتمادات المركزية الى ظواهر لاتمت بصلة الى بيئتنا وتقاليدنا التي ترعرع أولئك الأخيار فبحثوا عن سبل فلم يجدوا الا تكوين جمعيات خيرية اجتماعية تضم فئات مختلفة تشرب من معين واحد وتترفع عن الافكار والتنظير وترتدي عباءة الخير وتغرس بذرة التعاون في هذا الزمن الذي أرتفعت فيه أصوات بيع وشراء الذمم كسوق حراج فظهرت جمعيتا عدن وحضرموت الخيريتان الاجتماعيتان وغيرها وأن خصصنا هاتان الجمعيتان بالذكر فلانهما قدمتا الكثير مما اتسع نشاطهما الخيري الملموس الذي لاينكره إلا جاحد ضال وماقدمته هاتين الجمعيتين إلا نتيجة سبب واحد هو ما آلت إليه أوضاع مناطقهما والسكان من ترد في كل شيء والمتابع للنشاط فأن حجم ماقدمته جمعيات الخير يفوق الاعتمادات الرقمية لمؤسسات الحكومة التي تظهر في الموازنة مكتوبة وتختفي فعلياً أما إذا قارنا حجم المعونات المقدمة من رجال الخير قيادة الجمعيات ومايتشرف به رجال السلطة ولاأستثني الا قليلاً منهم كمخلصين فشتان بين هؤلاء واولئك فالأولون همهم إسعاد الناس دون أي معيار أو مقياس لأنهم يعملون قبل أن يتحدثون ويتخذون من حديث رسول الله منطلقاً لهم ( أتقوا النار ولو بشق تمرة).
أما الآخرون فلا هم لهم الا السلطة والجاه على حساب الناس وينطبق عليهم المثل العربي وينطلقون منه والقائل :-
يدهن من قاروره فارغة = أي يوعد ولايفي بما قال وأوعد..
إذن لامفاضلة بين رجال ورجال.. الوطنية والخلق والإنسانية لايشوهها أنفار فسدوا ويفسدون لأن الوطنية والخير والحكمة تتمثل في رجاى وجمعيات خير حملوا لواءها وأضاءوا شموعاً في دروب مظلمة فالكل رجال الخير في جمعيات الخير ألف تحية وفي جمعيات الخير عبرة يارجال السلطة..
"مقال نشر في صحيفة" الأيام " ٢٥ أغسطس ١٩٩٣م ٨ ربيع اول ١٤١٤هج العدد (١٤٤) قبل ٢٥ عام. #علوي بن سميط