.. عندما نكتب في ذكرى 13 يناير فيجب أن نتحدث عنها بمنطق العقل والمسئولية لنستخلص منها الدروس والعبر حتى لا نكرر الأخطاء ونقع فيها مرة اخرى . وعندما نستذكرها يجب ألا نتحدث عن غالب ومغلوب او ثأر قبلي اومناطقي علينا تجاوز المسميات .
هي لاشك ذكرى أليمة لكافة أبناء الجنوب وكان لها اثرا بالغا في تفتيت النسيج الإجتماعي الجنوبي في فترة مابعد يناير 86م بسبب البعد المناطقي لنتيجتها وآثارها .
ومن واجبنا اليوم ان ننظر اليها بعد 33 عاما كتاريخ وأحداث مؤلمة حدثت نتيجة أخطاء فادحة اسبابها قد تكون بسيطة لا تستحق كل تلك المآسي .
لكن طغيان الفكر القبلي المناطقي السائد في تلك الحقبة والإرث المتراكم من ثقافة الإنتماء القبلي الذي لم يستطع الفكر الاشتراكي الشوعي محوها من العقول كانت السبب في إراقة الدماء والدمار في عدن لأن الخلاف لم يكن عقائدي حزبي بقدر ما كان خلاف سطحي يمكن تجاوزه وحله عن طريق الحوار .
كما ان سياسة التهميش والإقصاء كانت سببا في ماحصل وكذلك الأنانية والشللية وفي بعض المواقف جنون العظمة التي كان لها الأثر الكبير في انقسام قيادة الحزب وتقسيم المجتمع مناطقيا مع وضد . ومع هذه الأسباب التي ذكرنا اسباب اخرى حزبية وشخصية لن نخوض فيها لان مايهمنا كمجتمع هو اثرها على المواطن العادي .
وحتى لاتكرر تلك المآسي فإنه من الواجب الابتعاد قدر الامكان عن تلك الممارسات وتوسيع المشاركة الشعبية وقبول الآخر على اساس الكفاءة وليس المنطقة او القبيلة .
هذه أسس عامة لقراءة تاريخ تلك الأحداث المؤلمة ومن الواجب دراستها وفهمها جيدا كي لا نكرر الاخطاء ، لان كثير من الشعوب والأمم قبلنا قد عانت مثلما عانينا واكثر .
ففي اوروبا عندما اشتعلت الحروب الأهلية وتعرضت شعوب وقوميات للإبادة عادت الى النهوض من جديد وتعايشت مع بعضها وتناست تلك الآلام الماضية واصبحت تاريخا فقط .
في الحرب الأهلية الأسبانية قتل مئات الآلاف وفي دول اوروبا قتل الملايين في حروب عبثية عرقية ودينية مذهبية ، ويقول بعض المؤرخين ان مايقارب نصف سكان اوروبا قتلوا في تلك الحروب لكنها نهضت من ركام الدمار ومن وسط الدماء اكثر قوة واكثر علم وثقافة وبنت اعظم ديمقراطية في التاريخ وصدرتها الى قارات العالم عبر الإستعمار والاحتلال والتجارة .
لكن هذا النهوض لم يأتي من فراغ بل بعزيمة الرجال وعصارة العقول العلمية والتضحيات الجسام الفدائية . وخاضت اوروبا حربا ضروس مع الكنيسة حتى استطاعت فصل الدين عن الدولة وجعلته حق فردي شخصي يمنع التدخل فيه .. وبهذا توجهت كل الشعوب الأوروبية الى العلم والعمل متناسية تلك الحقبة السوداء من تاريخها .
ومع بشاعة الاحداث ومآسي الفواجع إلاّ انها كانت الباعث الحقيقي للنهوض والتقدم .
نحن يجب ان ننظر الى مثل تلك الأحداث كتاريخ نستوحي منه العبر والدروس لا أكثر ، حتى نستطيع السير قدما في طريق التقدم وبناء بلداننا والنهوض بها من جديد .
اننا وفي الذكرى ال 33 لأحداث يناير نتحمل جميعاً مسئولية التغيير للفكر المصاحب لها ونعمل على تحويل تلك الذكرى الأليمة الى مناسبة لبدء عهد جديد من التسامح والتصالح الحقيقي وتطبيقة واقعياً ونجعل من ذلك اليوم سلما للنهوض والتقدم ونسير معا في طريق بناء بلدنا بالوسائل المتاحة ، وسننجح اذا اصررنا على النجاح بوسائلنا البسيطة اذا عرفنا طريق التغيير الصحيح. .
ولن يكون هناك طريق لتصحيح المسار إلا العلم والمعرفة والثقافة وتنشئة الأجيال القادمة على حب التعليم وقبول الآخر والتوافق على كل القضايا المصيرية التي تهم الوطن والمواطن .