قديما قال امرؤ القيس، حينما جاءه خبر مقتل والده الملك حجر الكندي، آخر ملوك مملكة كندة، وهو في مجلس شرب ولهو، قولته «اليوم خمر وغدا أمر!!» مقالته تلك أصبحت مثلا متداولا.
وفي عصرنا الحاضر ضرب الناس مثلا شبيها بقول امرؤ القيس.... فقالوا «طارت السمرة وجاءت الفكرة!».
إلا إننا اليوم وفي حالة الشرعية والتحالف قد رأينا العجب، فلقد طارت أو تبخرت السكرة ولم تأتِ الفكرة كما يتوجب في مثل تلك الأحوال، فحالة الانتشاء بداية الحرب تحت مسمى استعادة الشرعية (رغم أن هذا التدخل يعد سابقة في التاريخ المعاصر للدول، وأقصى ما يمكن فعله تجاه الانقلابات دوليا هو المقاطعة السياسية والاقتصادية لفترة ما، وفي بعض الأحيان تدبر الدول المتأثرة من انقلاب آخر بعد مضي فترة زمنية). وهذا لا يعني تأييدا للحوثي وما فعله، بل أنا ضد ما قام به، ولكن هذا هو التصرف الذي طالما رأيناه في حالات انقلابات مشابهة.
لقد كان التدخل غير مدروس وليست له إستراتيجية واضحة، ولذلك كان من الطبيعي أن يصلوا لهذا الوضع والذي أظهرهم بمظهر العدوان وأظهر الانقلابي بمظهر المدافع عن السيادة والوطن، وبالتالي رغم ما تعرض له الحوثي من هزائم وآخرها في الحديدة إلا أنه كسب النتيجة لصالحه وبدأ وكأنه المنتصر.. (طبعا لا ننسى أن الدول الكبرى ومنها أمريكا وبريطانيا لن تسمح بهزيمة الحوثي أو استئصال شأفته، فما ستسمح به هو إضعاف الحوثي فقط وإضعاف بقية المكونات السياسية، هل كانت دول التحالف تجهل تلك الحقيقة؟) سبق لكاتب هذه السطور أن كتب وحذر في مقالات نشرتها صحيفة «الأيام» مثل» 1 - العنوان الأساسي للحرب يجب أن يتغير.. 23 ديسمبر2017م
2 - تآكل الشرعيات الدستورية في اليمن.. 6 فبراير 2018م
3 - الحوار ودواعي الأمن.. 2 يونيو 2018م.
نبهنا فيها من النتائج والتي رأينا بدايتها ابتدأت في مشاورات السويد التي انتهت قبل أيام قليلة..
اليوم وبعد غياب الإستراتيجية الصحيحة لدول التحالف وضعف وغياب وجود شرعية حقيقية على الواقع وذهابها في ابتداع معركة جانبية أضرت بالجميع وهي معركتها ضد القضية الجنوبية وضد الحراك الجنوبي.. وبالمقابل فقد كان الانقلابيون ومن يدعمهم خارجيا وإقليميا يديرون معركتهم بإستراتيجية واحدة وواضحة وقيادة متماسكة..
اليوم وبعد المعاناة وتضخم الملف الإنساني، والتي حذرنا التحالف والشرعية في مقالات عديدة بأنه سيكون الورقة الجاهزة والتي ستسحب البساط من تحت أقدامهم، لم يعد يهم الناس إلا وقف الحرب نهائيا وبدء تطبيع الحياة والحوار السياسي المفضي إلى خلول مستدامة وحقيقية (حلول لا تكون عبارة عن قنابل موقوتة وتنذر بحروب قادمة).
ومن هنا ففي رأيي يجب الابتعاد عن فكرة من المنتصر ومن المهزوم، فالسلام يجب أن ينتصر، ومتى ما تحقق ذلك فسيكون الشعب هو المنتصر، وهذا هو الأهم، فالمكونات والشرعيات والتحالفات تنتهي وتتبدل ولا تظل ثابتة أبدا.. الشعب هو الباقي وليست الكيانات مهما تعددت أسماؤها وقضاياها.
السلام مطلب ضروري وعادل، والحرب هي شر وينتج عنها شرور أخرى في متوالية هندسية خبيثة. فلنقل إن السلام وصوت الحكمة هو من انتصر في السويد والشعب هو المستفيد من السلام وإنهاء الحرب.. فإن كانت السكرة لم تأتِ بالثمرة المنتظرة فلا يجب أن نوقف الزمن ونتوقف ندور في الدائرة ذاتها... بل نتفاءل وننتصر للسلام وإنها الخرب وبدء الحوار الحقيقي، والذي يجب ألا يستثني أحدا وخاصة مكونات ذات ثقل حقيقي ويمكنها صنع السلام مع الآخرين.