وقع المقدر علينا وافتقدنا الذي لم أعرف ولن أعرف في نبله مثيلاً، ولا من يوازيه في التزامه وتفانيه وإخلاصه لمهنته الصحفية التي ورثها من والده الأستاذ محمد علي باشراحيل، طيب الله ثراه.
كم تصعب الكتابة عنه بصيغة ما كان هذا الرجل الفذ الشجاع في مواقفه الأب الذي عرف كيف يربي أبناءه الأخيار بالحب والتفاهم وباللين والحزم..
افتقدنا صاحب القلب الكبير واللسان العف ومثالية التعامل الإنساني والالتزام الأخلاقي.. ما أحوجنا إليه في هذا الزمن العياب المقلوب.. كان له دائماً أسلوبه الهادئ الذي يبتسم بالحرص الشديد على مشاعر من حوله ومن يعملون معه ومراعاة ألا يُغضب أحدا ولا يغضب من أحد دون وجه حق..
كان الأخ الاستاذ هشام محمد علي باشراحيل، طيب الله ثراه وأسكنه الله فسيح جنانه، يسعد دائماً بأن يكون وسيطاً للخير وتلطيف الأجواء وحل الخلافات داخل ديوانه ومجتمع أسرة صحيفة «الأيام» الغراء.. كان العزيز الراحل هشام باشراحيل، رحمه الله، معتزاً بنفسه محافظاً على كرامته وكرامة الصحيفة وعمالها، متحمساً إلى أقصى درجة لكل ما هو في صالح مصلحة الصحيفة التي حققت الشهرة والأمجاد الصحفية والمواقف المشرفة في الكثير من المجالات الصحفية السياسية والاجتماعية داخل البلاد.
كان رزيناً في أسلوبه، ولكن دون التخلي عن الجرأة والصراحة والمصداقية، مرحباً بأي اختلاف معه في الرأي، لا يغضب لملاحظة حول ما ينشر في الصحيفة ولا يكابر في القبول بأي توضيح أو نقاش يضيف له معلومة جديدة.
لقد كنا ندخل مقر الصحيفة وكان حينذاك مقر والده المناضل محمد علي باشراحيل واسمه الحركي (صاحب البايب)، نسلمه التعاميم الصادرة من قبل الجهة القومية الساعة العاشرة مساءً من أمثال: عبدالله الخامري (محمد سالم) وأنور خالد (عبد العزيز) وعبدالله الحمزي (مروان) وتوفيق عوبلي (كاسح) وفضل عبدالله من بير أحمد (الشاؤوش)، وكان هشام يتواجد بجانب والده باستمرار شاباً إلى جانب محرري الصحيفة وهم محمد حامد عولقي، احمد شريف الرفاعي محمد شفيق، محمد عبدالله مخشف، أطال الله في عمره، والأستاذ محمد زين الكاف على ما أذكر. وما كان من الأخ هشام وأخيه الأستاذ تمام بعد رحيل والدهما إلا أن نجحا بجدارة في استثمار علاقات الصداقة القوية التي ربطتهما بكبار المسؤولين في الدولة والشخصيات الاجتماعية على مدى سنوات في تزويد الأخبار بعد عودة إصدار صحيفة "الأيام"، فقد كان هشام وتمام باشراحيل من تلاميذ والدهما الراحل صاحب القلم الشريف الأستاذ محمد علي باشراحيل الذي ظلت تعاملاته معهما قائمة على الصراحة والأمانة والجرأة والصدق.. اكتسبا من تعليماته تلك الخصال النبيلة.
عرفت الاخ هشام عن قرب في عدن عندما كنا طلابا في كلية عدن بدار سعد، وفي صحيفة «الأيام» قبل لجوئه إلى صنعاء في السبعينات وبعد الوحدة في صنعاء في التسعينات عندما نُقلت إليها ضمن المنقولين للعمل في صنعاء (دولة الوحدة المزعومة)، ومن ثم في عدن عندما عاد إلى بيته وواصل إصدار صحيفة "الأيام" من جديد هو وأخوه (كتفه الأيمن الأستاذ تمام) أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية.
صحيح ان الحزن هو الشيء الوحيد الذي يبدأ كبيراً ثم يصغر، ولكن الحزن على افتقاد أشخاص بعينهم كأمثال الفقيد الأخ هشام باشراحيل يعشعش فينا، تظل مواقعهم شاغرة في نفوسنا محفورة لا يضمرها النسيان.. من أجله تنكس رأية الصحافة حداداً متواصلاً عليه.
حقاً لقد فقدنا (أبو باشا)، كنا نتمنى أن يكون بيننا في هذه الظروف القاسية الصعبة التي اختلط فيها (الحابل بالنابل)، لقد ترك رحيل الصحفي القدير (أبو باشا) فراغاً كبيراً في عالم الصحافة اليمنية والأخلاقية التي يفتقدها بلاط صاحبة الجلالة (الصحافة).
لكن الأخ تمام (كان خير خلف لخير سلف)، فقد واصل مهام الرسالة الصحفية على أكمل وجه ومعه أولاد الفقيد الأخيار: باشراحيل وهاني ومحمد هشام باشراحيل، وفقهم الله مع عمهم الطيب الحكيم المقتدر في مجال الصحافة ودهاليزها، ومزيداً من النجاح والازدهار لصحيفة «الأيام» التي تعد صوتاً لمن لا صوت له.