عدن مدينة ذات ماضٍ عريق، كانت لها أدوار ووظائف متنوعة في سالفات الدهور، وكسرت وصاية القرون الوسطى بتمدنها، فهي مترعة بتراثها الثقافي وتسامحها الروحي ونموها الحضري وتركيبها السكاني المتنوع، وتتميز بموقع جغرافي استراتيجي – عسكري – تجاري عالمي يربط ما بين الشرق والغرب.
وفي هذا الكتاب يقدم د. سمير عبدالرحمن الشميري قراءة مفعمة بالعمق لحال مدينة عدن، يُسلط من خلالها الضوء على ما حل بالمدينة من خراب مادي ومعنوي في حقبة حالكة الظلام (1994 – 2016). ففي هذه الحقبة الحالكة، كما يرى المؤلف، تم تكسير الهياكل والمؤسسات والنظام القيمي والتوازن الاجتماعي، وامتدت يد الباطل لتحطيم الإنسان عماد الحضارة والثقافة والتمدن، وأدخلته في ظلمات الفوضى والفساد والبؤس، وفي أتون التيارات المتلاطمة وصناعة الانقسامات والتشرذمات، متكئة على سياسة النهب وتجريف خيرات المجتمع من قبل صناع الخراب الذين كسروا أضلاع المجتمع وصمود وكبرياء الناس وأسرفوا في تخريب العمران.
كتاب "عدن الحرية الثقافية والتقهقر المدني"، هو بحث أكاديمي ثريٌّ بمضمونه وملامحه وبتناغمه الدلالي والمعنوي، طافحٌ بكم هائل من الصور والوقائع والمشاهد والمعلومات والمعطيات الكمية والكيفية، والتحليلات الدقيقة التي تبين حجم الخراب الذي حل بمدينة عدن والجنوب، في سلسلة من الحلقات المترابطة وفق أسانيد وحيثيات وترسيمات علمية وواقعية تجنبت الوقوع في مطب الابتذال.
يتألف الكتاب من فصلين: يسلط الفصل الأول عدسة الضوء على عدن كمدينة حضارية تفرّدت بالحرية والتمدن والتعددية الثقافية والاجتماعية وسكنت جنباتها قيم التسامح الفكري والعقائدي، ويتوج هذا الفصل بعرضٍ لأهم ملامح السقوط والانهيار للحياة المدنية.
وبعين شديدة الدقة، وبحسٍ بحثي لاقط للواقع، وبإشارات مكثفة، يقدم الفصل الثاني مشاهدات بانورامية من إيقاعات الانهيار والخراب والهزات المؤلمة في صفحات الحياة اليومية لمدينة عدن من يوليو/تموز 1994 – يونيو/حزيران 2016، المدبوغة بالعُسر والفاقة والكرب وبخليط من الرعب والمرارة والتيه والحيرة والبوار.
إلى ذلك، تم في الكتاب تسجيل وتوثيق ملامح الانهيار والدمار الشنيع لمدينة عدن، وإبراز خطورة تهديم مداميك وأسس دولة الحق والقانون الذي شكّل أساساً متيناً للدمار والخراب المجتمعي.
وأخيراً يأمل المؤلف: "أن نكون قد غصنا في لب الحقيقة بموضوعية وبلغة التفكير العلمي، وقدمنا للقارئ حقائق وأطروحات تنير العقل وتزيح التكلُّس وتساعده على الإجابة عن الأسئلة المهمة والملحاحة التي تدق أبوابنا في هذا الزمن القاحل والبليد الذي يتم فيه قلب الحقائق بشعارات مطاطية ملتهبة وبلغة خطابية متشنجة مبنية على الباطل والفهلوة والخيال المريض المتملص من منهج الحق والفضيلة والإنصاف".
صدر الكتاب عن ثقافة للنشر والتوزيع، وجاء في 256 صفحة.