رغم علم الأستاذ الدكتور قاسم عبد المحبشي الجم، وحضوره القوي في المنارات الجامعية والأكاديمية فإنه نموذج لإنسان متواضع يرى أن ماوصل إليه ليس أكبر منه، فشخصيته وعصاميته وتواضعه ودفء علاقته تظل أكبر مما يمتلكه ويختزنه من علم ومعرفة وبعد نظر وسلاسة عرض وقدرة إقناع ، كيف لا وهو جمع بين خلق الريف الصارم متشبعا بدفء عدن وبساطة أهلها وتسامحهم ولين طباعهم وقوة شكيمتهم ، السهل الممتنع تجده ماثلا في خلق الأستاذ قاسم.
عرفته من سنوات عبر صديق مشترك هو الأخ الكريم عبدالعزيز عمر السليماني ، ومنذ عرفته أحسست إنه قريب إلى روحي وأننا نتطابق في أحيان كثيرة في كثير من الآراء والنظرة لواقعنا وما تكتنفه من مخاطر .
منذ قرابة نصف شهر أو تزيد قليلا علمت بالتهديد بتصفيته، أخبرني هو بذلك ؛ ونزل ذلك الخبر علي كصاعقة ، كان الخبر حينها طي الكتمان أو في حلقات الأصدقاء الذين يتواصلون به أو يتواصل بهم ، لا أنسى عبارته :
" ما اصعب العيش تحت التهديد في بلد ليس فيه مكانا آمنا ياصديقي!!
تجربة مريرة جدا
اعيشها الآن
لم اشهدها بحياتي كلها"
فعلا ؛ ما اصعب العيش والمرء يشعر أنه مطارد مهددا بالتصفية من اشباح ملامحهم غير محددة ، وشخصياتهم مجهولة، يطاردونه لينتقموا منه من جريمة لم يجترحها لاتدري ، ما أقسى شعور الفرد عندما يصبح رأيه أو فكرة أو كتاباته جريمة عقوبتها التصفية الجسدية!! من المدعي ومن الحاكم؟ لاتعلم إلا أن اشباح من بشر هم قضاتها وجلاوذتها ؛ في محاكمة لا يقرعون فيها الحجة بالحجة بل يواجهون الكلمة ليصفوها بالرصاص .
هذا قدره، فقد طورد وحوصر من حقوقه الجامعية والاكاديمية حين تناوب الفساد العفاشي جامعة عدن ، لكنه عوض ذلك بأن نهل من مناهل العلم في تخصصه حتى نال الأستاذية ، نالها ووطنه الجنوب العربي ذبيح وعدن حاضرته تكالبت عليها الأعداء الفساد والتكفير والارهاب على أمل أن يحولوها إلى قرية متخلفة أو تذعن لمشاريع القوى الظلامية وتتنحى عن ريادة التسامح والانفتاح التي اتصفت بها.
لكن عدن موغلة تستقبل على شواطئها العالم وتودعه وتؤثر فيه ويؤثر فيها منذ فجر التاريخ تتجاور في عادات الأمم وتنصهر في بوتقتها تسامحا وانفتاحا ، عدن تعطي ولا تاخذ ، ليست جلفة منغلقة بين جبلين أجردين تمتص حياة الآخرين ، عدن لا تقبل الأنغلاق ولن تقبله ولا تستوعب المفاهيم المغلقة ولن تستوعبها . فكان الهجوم الإرهابي الذي استهدف كلية الاداب في ٢٧ مارس ٢٠١٨م بشارع الثقافة في خور مكسر على أمل أن تفجر العملية ليس كلية الآداب بل عدن المدينة والمحافظة والجنوب عامة ؛ لكن يقظة رجال الحراسة افشلت مسعاهم وردت كيدهم في نحورهم .
وبدأ تكملة مسلسل لإرهاب الكلية باستهداف البروفيسور الدكتور قاسم عبد المحبشي واتضح جليا أن مشروع الإرهاب له عنوان واحد : إغتيال من يفهمون وإطفاء مشاعل النور التي لاتزال تلمع في قلب الظلام وإن جريمة الدكتور قاسم انهم يريدون تصفيته لأنه يفهم ويغرد ما يفهمه في فضاءه.
كل التضامن معكم صديقنا، وكامل الإدانة والتنديد لهذا التهديد ومن وراءه.
والتضامن هو حيلتنا الوحيد في بلد تعيث بها العصابات المسلحة من كل شكل ونوع، وما يقتل الإ من كمل يومه.
وقل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا.
والحذر واجب في هذا الليل الموحش!
صالح علي الدويل