أكدت الكثير من الدراسات الميدانية على أن وسائل الإعلام تلعب أدوارا مختلفة وهامة في نشر الوعي بين أوساط الجماهير حين يحسن استخدامها وتكون هذه الوسيلة هي لسان الشعب ومعبره عن مطالبه وتطلعاته وآماله، وعلى العكس من ذلك تعمل وسائل الإعلام المسيسة على تزييف الوعي الجماهيري وممارسة التكتم والتضليل والمغالطة ونشر الإشاعات خدمة للجهات السياسية التي تتواطأ وتتوافق معها.
عقب اجتياح نظام المخلوع صالح وحلفائه للجنوب وتحويلهم الشراكة إلى احتلال بقوة السلاح في العام 1994م سارعوا للهيمنة على وسائل الإعلام المختلفة وجيروها لمصلحتهم، حيث عملت وعبر أعلامها المسيس على استهداف وعي الناس في الجنوب أكان من خلال شيطنة شريكهم الجنوبي وايهامهم أن المستهدف هو الاشتراكي وليس الشعب والأرض والثروات، أو التلميع والتضليل وإظهار ما حدث بصورة مغايرة، كما عملوا أيضا على تكميم كل الوسائل والأصوات الإعلامية التي تتحدث عن المظالم التي تعرض لها أبناء الجنوب جراء هذه الحرب الظالمة.
هذا التزييف للوعي والذي اتبعه نظام المخلوع السياسي بتواطؤ مع الإعلام جعل الفترة منذ العام 1994م إلى 2007م ما يمكن أن نسميها فترة الجمود السياسي الجنوبي، ورغم محاولات بعض الوسائل الإعلامية لكسر هذا التزييف إلا أن المساحة الممنوحة لها وقفة عائقا أمام نشر رسالتها لتبصر الناس بقضاياهم وتعرفهم بالمظالم الواقعة عليهم، وقد كان لثورة الحراك الجنوبي دور في كسر هذا التزييف الإعلامي ليشجع العديد من وسائل الإعلام على نشر الوعي ومؤازرة الحراك السلمي وبشهادة العدو قبل الصديق.
كانت صحيفة «الأيام» الرائدة هي الشريان الذي أعطى للحراك الجنوبي زخما كبيرا وأوصل صوتهم إلى جانب نشرها للوعي الشعبي بين أوساط الجماهير، ولهذا فقد أقدم نظام المخلوع صالح في العام 2009م وبشكل تعسفي على اجتياح مقر «الأيام» قبل أن يوقفها قسريا، حتى يمكن إعلامه المسيس من الاستمرار في تزييف الوعي ونشر المكايدات والإشاعات بين أوساط قادة الحراك.
وظل نظام المخلوع وحلفاؤه على هذا النهج حتى في مراحل اختلافهم، وحين عاد العدوان الثاني على الجنوب العام 2015م كانت الناس أكثر وعيا من ذي قبل، وفشلة كل محاولات تزييف الوعي والمغالطات، فلهذا نهض الشعب وتصدى للعدو ودحره ليعود مولي الادبار، وأسهم هذا التحول في توافر التواجد الإعلامي المحلي والخارجي بعدن، ومع مرور الأحداث لم يكن يتوقع الكثيرون أن تعاود بعض الوسائل الإعلامية، بل الكثير منها، لتعمل على تزييف الوعي الجماهيري الجنوبي.
فالمتابع للوسط الصحفي والإعلامي خلال الفترة القليلة الماضية سيجد أن بعض وسائل الإعلام أعادة للواجهة مرحلة أخرى من تزييف وعي الشارع الجنوبي وتحرفه عن فهم قضاياه، وتستهدف هز الثقة بينه وبين قادته، ومحاولات خلق تباينات جنوبية مع التحالف العربي، وتستخدم هذه الوسائل العديد من الأساليب، منها أسلوب التأويل والتضليل، ونشر الإشاعات والإساءة للجهات الأمنية، والتركيز على الجوانب السلبية وتضخيمها، وإهمال ما هو إيجابي، ومع الأسف إن بعض هذه الوسائل محسوبة على الشرعية وأخرى جنوبية، ويجد المتابع أنها تستهدف الشرعية والجنوب فيما تنشره، بل إنها تعمل على تأجيج الشارع وزرع الانقسامات والعزف على وتر المناطقية، واستهداف الأمن والتشجيع على الفوضى، والتركيز كثيرا على الجوانب السياسية وإهمال حقوق ومطالب المواطن.
ختاما أملنا كبير في عودة صحيفة «الأيام» إلى الساحة الجنوبية، هذه الصحيفة التي تجمع عليها النخبة الجنوبية من حيث كونها مدرسة صحفية ومؤسسة إعلامية رائدة تصنع رأيا عامّا بمهنية وأخلاقيات تتكسر أمامها كل محاولات تزييف الوعي إلى جانب نظيراتها من الوسائل الإعلامية الجنوبية، ورسالتي للوسائل التي لا تزال مسيسة وتهدف لتزييف الوعي نقول لهم “إذا لم تستحِ فاصنع ما تشاء”.
*- عن الأيام