إلى أن يكشف الله المستور، سيظل السؤال الأصعب الذي عجز ويعجز الجميع عن الإجابة عنه هو: ما الذي يقدمه «الإصلاح» كحزب، وكذا قادته في المحافظات والجبهات من إنجازات حتى نشاهدهم يكافؤون كل يوم من قبل «الشرعية» بتعيينات وترقيات ودعم لا يتوقف، وكأنهم يصنعون المعجزات، ويجترحون البطولات؟
خلال ما يقرب من الثلاثة الأعوام، ورغم فشلهم في الجبهات وفسادهم في إدارة المحافظات التي يديرونها، لم نسمع عن محاسبة أو إقالة إصلاحي واحد، بل ظلوا في إعلام «الشرعية» الذي منح لهم وفق عقد احتكار على أنهم هم الأبطال وهم حماة «الشرعية» وحماة السيادة.
ورغم هروبهم المخزي، منذ الساعات الأولى للحرب، وبعضهم سبقها إلى فنادق الرياض واسطنبول، إلا أن الإصلاحيين ظلوا هم الخيار الأنسب أمام «الشرعية» لتولي المناصب المختلفة للدولة، وخاصة في السلك الدبلوماسي الذي أضحى «الإصلاح» يستحوذ على معظم مناصبه، وبصورة مخالفة للقانون، وعبر خريجي المعاهد العلمية والجمعيات الخيرية.
من المؤسف القول إن شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي ودول «التحالف العربي»تخطئ، وستكتشف خطأها بعد فوات الأوان إذا ما اعتقدوا بأن «الإصلاح» يمكنه أن يكون شريكاً مخلصاً أو حقيقياً في الحرب ضد الإنقلاب، وواصلت تقديم الدولة إليهم بكل مفاصلها على طبق من ذهب.
والحقيقة المرة التي ستكتشفها «الشرعية» هي أنها ستكون هي أول فريسة لأطماع «الإصلاح» في الحكم عندما يقرر أن يكشر عن أنيابه في لحظة الحقيقة التي يبدو أنها باتت قريبة.
فالواضح جداً أن «الشرعية» هي الحلقة الأضعف والأهم بالنسبة لـ«الإصلاح»، والتي يمكنه السيطرة عليها بسهولة لاستخدامها كوسيلة ضغط يناور بها لتحقيق بعض الأهداف في أي تسوية قادمة.
إن واقع الحال يؤكد أن عشرات الآلاف من جنود الجيش الحزبي الذي يبنيه «الإصلاح» في مأرب لن تستطيع قطعاً إسقاط الإنقلاب في صنعاء، وهي أضعف وأعجز من استعادة الجنوب من قبضة أهله ممثلة بالمقاومة الجنوبية وجناحها السياسي القوي: المجلس الانتقالي الجنوبي، لكن هذا الجيش قادر، وبحكم ما أتيح له من فرص، على إعلان سيطرته المطلقة على مؤسسات الدولة الخاضعة لـ«الشرعية» فعلاً كما هو الحال في مأرب.
يستغرب الناس كيف لم يقل محافظ إصلاحي فاسد ممن ينهبون مخصصات مختلف المحافظات التي يديرونها عبر «الواي فاي» من فنادق الرياض وكباريهات القاهرة واسطنبول، فيما أقيل معظم محافظي محافظات الجنوب بعد أن ضحوا واجتهدوا في سبيل تنمية محافظاتهم ووفق ما أتيح لهم من موارد ضئيلة، بل إن محافظ عدن الزبيدي قدم العشرات من مرافقيه ضحايا لعمليات إرهابية استهدفته وهو يسعى لتثبيت أمن محافظته.
ويستغرب الناس كذلك كيف يقال وزير جنوبي لم تصرف عليه «الشرعية» فلساً واحداً، ويحال للتحقيق، فيما كرمت رئيس الأركان المقدشي الموالي لعفاش ومحسن والمتورط في نهب المليارات، نظير بقائه في معسكره بمأرب لثلاثة أعوام متتالية، وبدلاً عن إحالته للمحاكمة تمت ترقيته وتعيينه مندوباً في قيادة «التحالف».
خلاصة القول إن «الشرعية»، وبصورة عجيبة غريبة، تلف الحبل حول عنقها، بتميكنها غير المبرر لـ«حزب الإصلاح» من الدولة، وهي تدرك، قبل غيرها، أن «الإصلاح» مثل الحوثي، لا يبحث عن مشروع دولة، قدر توقه للاستئثار بالسلطة والثروة لمصلحة جماعة حزبية عقائدية
متطرفة ولاؤها للخارج أكثر من الداخل، وميلها للعنف أكثر من ميلها للسلام.
أما خلاصة الخلاصة، فإن الناس وصلت إلى اقتناع بأن لـ«الإصلاح» كرامات لا تؤتي مفعولها إلا على «الشرعية» و«التحالف» الذين يرون في موائد قادة «الإصلاح» في فنادق الخارج غزوات عظيمة، ونهبهم للمليارات في الداخل أعمالاً وطنية تستحق التكريم، وبناءهم لجيش حزبي عقائدي بناء لدولة ديمقراطية عظيمة، ولأجل ذلك يكرمونه ويبجلونه ويمنحونه من المجد ما لا يستحق.