في العام ٢٠٠٨م، إن لم تخنِّي، الذاكرة دعيت لندوة عن "الحراك الجنوبي" وطلب مني المنظمون إعداد مداخلة للمشاركة بها حول القضية، وقد شاركني في تقديم المداخلات ثلاثة زملاء وزميلة وتصادف ان وثق المنظمون للندوة مجرياتها وتم بثها عبر بعض القنوات الفضائة.
كان من بين المشاركين الثلاثة شابا جنوبيا مغمورا من شباب المؤتمر الشعبي العام ومن محافظة ابين، ولست بحاجة إلى استعراض ما دار في الندوة، لكنني أشير إلى ان الزميل الجنوبي (المغمور) تنمر على الجنوبيين واشار ، كعادة معظم تلاميذ المدرسة العفاشية، انه لا توجد مشكلة في الجنوب وأن الانفصاليين يريدون العودة لحكم الجنوب وأن الجنوب متمسك بالوحدة وسيقاتل كل من يقف ضدها، وانكر وجود اي مظالم في الجنوب وتغنى بالعدل والتنمية والرخاء الذي يعيشه الجنوب بفعل هزيمة الانفصال والانفصاليين، وانتصار الشرعية (طبعا كانت الشرعية حينها تعني علي عبد الله صالح ونظامه) وما إلى ذلك من مفردات القاموس العفاشي الذي لقنهم إياه بصورة ببغاوية متقنة.
بعد هذه الندوة نط صاحبنا كالصاروخ فمن شخصية مغمورة قفز الى عضوية اللجنة الدائمة فاللجنة العامة فمحافظا فوزيرا واخيرا رئيسا للجنة توزيع المرتبات.
بعد كل التنكر لوجود مشكلة في الجنوب واتهام الجنوبيين بأنهم يعتدون على الشماليين تحول الرجل إلى حراكيا رغم احتفاظه بعضوية اللجنة العامة (مثل العشرات من الحراكيين المنتحلين) وصار يتحدث عن قضية جنوبية ويثرثر عبر الفضائيات عن الشرعية والانقلابيين ، وصار يشتم عفاش الذي كان حتى الامس القريب يعتبره الشرعي الوحيد دونما اي شعور بالخجل من أحاديثه فيما مضى.
منذ يومين اطل علينا الرجل من على إحدى الفضائيات متهما رئيس وأعضاء هيئة رئاسة المجلس الانتقالي بالتمرد وأنهم عبيد ،(وإن لم يسمي عبيدا لمن)، ولم يفته تأكيد العبارة البليدة الشهيرة عما أسماه "الحراك الإيراني"
الحقيقة أن عدد الذين يخجلون ممن يسمون أنفسهم "أنصار الشرعية" يتراجع وتزداد المساحة التي يشغلها الوقحون والمتبجحون والمتطاولون الذين يعتبرون أنفسهم سياسيون وهم مجرد بأئعي مواقف لمن يدفع أكثر.
فالحديث عن "الحراك الإيراني" قد صار مملا ومكشوفا وأغرب ما فيه أن الذين يتحدثون عنه هم ممن ظلوا عقودا يقتاتون الفتات من على مأدبة عفاش (أحد الممثلين الأبرز للمشروع الإيراني) واليوم قلبوا له ظهر المجن وتقمصوا ادوار الشرفاء الأبرياء من كل جرائم عفاش التي كانوا يدافعون عنها ويبرؤونه منها، والأدهى أنهم يتهمون الذين تصدوا للمشروع الإيراني وهزموه وردوا ممثليه على أعقابهم - يتهمونهم بالعمالة لإيران بلا أدنى شعور بالحياء من هذا التبجح .
هذا السلوك يذكرني بذلك اللص الذي اعتلى المنبر يحدث الناس عن النزاهة والشرف والأمانةمعتقدا أن المستمعين له لا يعلمون بأنه نصاب محتال يسرق الكحل من العين.
أما حكاية العبيد فالجميع يؤمن بأننا كلنا عبيد لله وحده، لكن العبودية التي يقصدها هذا (المنظر) هي عبودية اخرى، فهو لا يرى الناس إلا على شاكلته فيعتقد انهم يبيعون مواقفهم لمن يدفع أكثر كما يفعل هو، ويتصور أنهم يتاجرون في السياسة مقابل حفنة من الريالات كما فعل زمن عفاش ويفعل اليوم في زمن الشرعية.
ستمضي ايام وشهور وربما سنوات قبل أن تتكشف حقائق جديدة عن الأدعياء الذين يتقلبون حسب المناخ والبيئة ويغيرون جلودهم على لون المكان كما تفعل الحرباء وللأسف يجدون سوقا لبيع ترهاتهم الفارغة لدى بعض المتسوقيين المغشوشين.