عندما قلنا بأن شرعية أية سلطة لا تنحصر على وصول وجوهها السياسية إلى مواقعهم عن طريق الانتخابات فقط لم نكن واهمين، فكم هي المرات التي انتخب فيها زعماء وأحزاب ثم صار وجودهم على رأس السلطة وبالا على شعوبهم وأحيانا على العالم كله، هل يكفي الإشارة إلى هتلر وموسوليني؟ الذين وصلا إلى سدة الحكم عبر انتخابات ديمقراطية حقيقية لم تشبها شائبة؟ وهل ستكفي الإشارة إلى من أخرجتهم شعوبهم من الحكم بعد أشهر بسبب فشلهم في القيام بمهماتهم أو ارتكابهم مخالفات تمس القانون والدستور؟ وما رئيسة كوريا الجنوبية التي أبعدت من موقعها وانتقلت لتقضي سنوات ما تبقى من عمرها في السجن الا نموذجا لمعنى افتقاد الشرعية حتى وإن جاءت عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة.
في اعتقادي أن الانتخابات ليست سوى أحد اركان الشرعية وبقاء هذه الشرعية مرهون بمدى قدرتها على القيام بالواجبات الأساسية المناطة بالقائمين عليها.
أعلم يقينا أن الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي تواجه مهمات في غاية التعقيد خصوصا في مجال مواجهة العصابة الانقلابية التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه من الانهيار والدمار المتعمد، لكنني لا أستطيع أن أفهم كيف يبرر الإخوة في الحكومة (المفترض أنها شرعية) ذلك العجز النادر والمبهر في إدارة ملف صغير يفترض أنه قابل للحسم بجرة قلم، وهو ملف المرتبات الشهرية لموظفي الدولة الذين أمضى بعضهم أكثر من ثمانية أشهر بدون راتب، وهي جريمة يفترض أن يقاد المسؤولون عنها إلى القضاء لأنهم يدفعون موظفي الدولة إلى الموت جوعا.
وبمناسبة الحديث عن القضاء ينط أمامنا سؤال طالما أشرت إليه في العديد من كتاباتي وهو: كيف تدير دولة شؤون مجتمعها بدون نيابة عامة وبدون نظام قضائي يضمن تنفيذ القانون وحماية المجتمع من الجريمة والتمرد والحفاظ على حقوق الأفراد والجماعات وكل المجتمع ومكافأة المحسن ومعاقبة المسيء؟
ما زلت على قناعة كاملة بأن السلطة التي لا توفر الكهرباء لمواطنيها ولا تقدم العلاج لمرضاها ولا تعلم التلاميذ ممن هم في سن التعليم ولا تنظف شوارع مدنها من القمامة ومياه الصرف الصحي التي تغمر معظم أجزاءها، ولا تتغلب على الأوبئة الفتاكة التي تهلك مئات ألأرواح وتهدد مئات الآلاف من المواطنين، ولا توفر الأمن لمواطنيها ولا تتحكم في سعر الصرف ولا تضع الإجراءات الوقائية للحيلولة دون انهيار العملة الوطنية، دعك من أحلام الاستقرار والتنيمة والنهوض أو حتى إعادة الإعمار التي قذف بها إلى ملف النسيان؟ أقول ما زلت على قناعة أنن هذه السلطة لا تمتلك أي مشروعية حتى وإن حصلت على 100% من أصوات الناخبين، وعليه ومن هذا المنطلق يمكن التنبيه إلى أن الحكومة الشرعية تحت قيادة الرئيس عبدربه منصور هادي تفتقد كل يوم مساحة من مشروعيتها وتتراجع حظوظها في ادعاء الشرعية لتقترب من نقطة الصفر بسبب فشل القائمين عليها في إدارة ملفات حيوية تتصل بحياة الناس اليومية ناهيك عن قضايا تتصل بمستقبل البلد كل البلد سواء في المناطق المحررة أو تلك التي يسيطر عليها الانقلابيون.
نحن هنا لا نتحدث عن فساد القائمين على السلطة الشرعية والذي تعرضنا له وتعرض له الكثيرون ولا عن ملف الوزارات الأسرية التي صار الكثير منها عبارة عن مجمع عائلي للوزير وأقاربه أو له ولنوابه وعائلاتهم، هذا في حين لم يصل الكثير من الوزراء إلى العاصمة ويستقروا في مكاتبهم ويباشروا عملا حقيقيا يستحق الذكر.
بقي سؤالٌ نود طرحه على أخينا رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس وزرائه والوزراء: هل تعتقدون أن ما تفعلونه في المناطق المحررة يصلح أن يكون نموذجا لإغراء أبناء المناطق (غير المحررة) ليثوروا على الانقلابيين ويلتحقوا بسلطتكم.
إنكم تقدمون نموذجا للفشل والإخفاق بل وللفساد والعبث وللقهر والظلم والاستكبار والمكابرة والتزييف والخداع، وهذا هو أحد العوامل الرئيسية في فشلكم على الجبهة العسكرية التي يطول الحديث عنها، وأنتم بذلك تؤكدون أنكم لا تستحقون الحديث عن الشرعية والمشروعية ناهيك عن الأهلية والأحقية في إدارة شؤون البلد، أما الانتصار على الجماعة الانقلابية فلم يعد الحديث عنه ذا قيمة بعد أن فشلتم في استثمار الانتصارات التي صنعها المقاومون الأبطال الذين حولتموهم إلى خصوم ألداء لكم ولشرعيتكم.
ورمضان كريم وهدى الله الجميع إلى سواء السبيل.
_____________________
* من صفحة الكاتب على فيس بوك.