الطمع مهلكة
إستعجل «الإخوان» أمر عدن، وأعمت قلوبهم وأبصارهم مطامع امتلاك قرار هذه المدينة وإدارتها واتخاذها عاصمة بديلة لهم، معتقدين أن الوقت قد حان لبسط نفوذهم وسطوتهم عليها.
فجأة، كشر «الإصلاحيون» عن أنيابهم، ظانين أن بمقدورهم التهام المدينة التي لم تضق ذرعاً بأحد قط، كما ضاقت بهم من جور ما عبثوا بها وبسلامها الداخلي، فإذا بطمعهم هذا ينقلب وبالاً عليهم، فكان جزاء سعيهم للاستحواذ على كل شيء أن فقدوا كل شيء.
لم يخض «الإصلاحيون» حرباً من أي نوع في مواجهة الإنقلاب، عدا تمثيليات حمود المخلافي وحكاياته الأسطورية عن ملحمتَي «الطبل» الذي حرر جبهة، و«البسباس» الذي طهر عمارة، ناهيك عن حربهم الإعلامية ومعاركهم الدونكيشوتية. ورغم ذلك، إلا أنه ولأول مرة، وبعد أكثر من عامين من الحرب والتفاخر بالانتصارات اليومية المتواصلة على تباب اليمن الكبير، بدا «الإصلاحيون» وكأنهم قد استسلموا، وأقروا بهزيمتهم وعجزهم عن خوض معركة تحرير الشمال، وبات واضحاً أنهم لم يعودوا متحمسين حتى لاسترداد ألبومات صورهم العائلية من أيدي أطفال عناصر «اللجان الشعبية» المكونة لمليشيات الحوثي.
المفارقة أن الإستسلام شمالاً يقابله عنفوان وتحدٍ جنوباً. وبكل صلف وتجبر واستفزاز، نراهم وقد شمروا عن سواعدهم، وعززوا من جهودهم لبسط سلطتهم على المدينة المسالمة عدن، مستخدمين شرعية هزيلة ومنهكة نجحوا في اختطافها في غفلة من «التحالف» ومن العالم ومن الشرعية ذاتها، ليسخروها في خدمة مشروعهم الحزبي والاستحواذي والاقصائي الضيق.
خَطّط «الإخوان» ودبّروا لتنفيذ مؤامرتهم على عدن، وحرصوا على شن حملاتهم الإعلامية على قيادتها واتهامها بالفشل، وحاربوا عبر شرعيتهم أهل المدينة في عيشهم بهدف دفعهم للثورة على قيادتهم المحلية، وهو ما لم ينجحوا فيه رغم ضخامة التهم الدعائية وملياراتهم التي أنفقوها، والتي كانت تكفي لإقامة مشاريع استراتيجية في الكهرباء والمياه والصحة وغيرها.
كعادتهم، حسب «الإصلاحيون» بدقة لكل مراحل مؤامراتهم ضد الجنوب، وجندوا لها المئات من الوسائل الإعلامية التي يديرونها، كما سخروا كل أدواتهم للوصول إلى ما يرمون إليه، باستثناء أمر واحد لم يضعوه في حسبانهم، وهو أن عدن والجنوب قد يتقبلان أي أمر مهما كان جللاً، إلا أن يُجبرا على العودة إلى أحضان فكر ظلامي ضال وفاسد كما هو حال فكر «تجمع الإصلاح».
لذلك، تسببت خطط «الإصلاح» في تعزيز نقمة الشارع الجنوبي عليه وعلى الشرعية التي يتدثر بها بعد أن ملكتها نفسه، فكان هو والشرعية في موقف حرج جداً في مواجهة طوفان بشري جنوبي خرج يهتف ضد الجميع معلناً تضامنه مع قيادته القادمة من بين صفوفه، ومُفوّضاً لها قيادة وتأسيس مرحلة جديدة عنوانها «شرعية الخنادق» لا «شرعية الفنادق».
والأمَرّ من ذلك أن «الإصلاح» وشرعيته كادا يتسببان في العصف بجهود «التحالف العربي» وإرباكه، من خلال استهداف رموز «المقاومة الجنوبية»، الشريك الأقوى والأصدق والأوفى لـ«التحالف العربي» في مواجهة الإنقلاب ومكافحة الإرهاب، الذي يمثل هذا الحزب داعمه الأول في اليمن والجنوب .
*- العربي .