عدن ..حين تشبه المصيبة !

2017-03-30 10:48

 

مفارقة مؤلمة أن تحتفل عدن في الأيام القادمة بالذكرى الـ27 بعد المائة لظهور المسرح فيها، كأول مسرح في الجزيرة والخليج، وهي بدون مسرح، بعد أن استأسد الوحدويون على مسارحها، وسرحوا فنانيها، وأذلوهم حتى أنسوهم أنفسهم، والأكثر إيلاماً أن الوضع ذاته ما زال قائماً إلى اليوم، في زمن أشباه الوحدويين، من ماركة رِجل في صنعاء وأخرى في عدن، والجسد مع هادي والقلب مع عفاش.

 

 وليت الحال يقف عند المسرح، فعدن كذلك بلا إذاعة، وبلا تليفزيون، وبلا صحافة، وهي من كانت الرائدة، وتقف في صدارة المدن العربية التي عرفت الإذاعة والتلفزيون والصحافة، في زمن كان الجيران فيه يظنون التلفاز سحراً، والصورة المتحركة على الشاشة علامة من علامات قيام الساعة.

وليت الحال يقف عند الإعلام، فعدن كذلك بلا كهرباء كافية، وبلا مياه شرب نقية مثل سائر الأمم، كما أنها بلا اتصالات ولا إنترنت، إلا بما يجود به عليها حكام الباب العالي في صنعاء، متى شاءوا فتحوا ومتى شاءوا منعوا.

 

وليت الحال يقف عند هذا أيضاً، فعدن بلا تجارة وبلا اقتصاد ولا بنوك، وبعض من تجارها يستوردون بضائعهم من حي الجحملية في تعز، المدينة التي يقال إنها محتلة ومحاصرة، بعد أن كانت عدن إلى عقود قريبة قبلة التجارة في الجزيرة والخليج.

 

وليت الحال كذلك فحسب، فعدن بلا مطار وبلا طيران، وهي من كان تجارها أول من امتلك شركة طيران خاصة في الجزيرة والخليج وربما الوطن العربي، كما كانت أول مدينة عربية تشهد إقامة معارض الطيران قبل ما يقارب السبعين عاماً، لتجد ذاتها بعد 70 عاماً وقد دمرت شركة طيرانها الوحيدة ومطارها اليتيم، وشاهدنا لأول مرة في تاريخ مطارات العالم ضابط أمن وهو يفحص حقائب المسافرين على ضوء ولاعة خافت، بعد أن عجزت الدولة الهزيلة عن توفير مولد كهرباء خاص بالمطار، لا تزيد قيمته عن قيمة لعبة طفل صغير من أطفال  حكامنا المدللين.

 

ذات مرة كتب معلم مصري يقول إنه كان في منتصف القرن الفائت، يتجول في أحد أسواق مدينة هونج كونج في الصين، حين كانت تحت الإدارة البريطانية، فأعجبه قلم من ماركة ممتازة، وحين لاحظ البائع ذلك، أراد إغراءه ليشتريه، فقال له: هذا القلم صناعة خاصة، ولن تجد مثله حتى لو ذهبت إلى عدن، كان ذلك يوم كانت عدن مضرب المثل في نهوضها وازدهارها.

 

 اليوم، لم تعد عدن تمتلك أي مقومات، ليس لمنافسة هونج كونج، بل حتى لمنافسة أصغر قرية في العالم وأكثرها تخلفاً، باستثناء قدرتها على منافسة مدينة بعقوبة العراقية في انقطاعات الكهرباء، ومنافسة ضواحي قاهرة مصر في العشوائيات، ودارفور السودان في حمل السلاح، وضواحي بيروت في مخلفات القمامة ومياه الصرف الصحي.

 

يقال إن كل شيء يبدأ صغيراً لكنه يكبر، إلا المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر وتتلاشى، وكذلك هي كل المدن المتقدمة في عالم اليوم، فقد بدأت صغيرة فقيرة، لكنها اجتهدت وثابرت حتى كبرت وغدت نموراً وتنانين عملاقة، أما عدن فإنها أقرب شبهاً إلى المصيبة، إذ بدأت ضخمة كبيرة عملاقة أثارت اهتمام العالم، لكنها تضاءلت وصغرت حتى وصلت إلى حال ربما لم يعد العالم معها يشعر بوجودها أو يتذكر أمجادها.

 

وقطعاً فعدن بذاتها ليست مصيبة، فهي جنة من جنان الله على أرضه، لكن مصيبتها تكمن في من تولوا أمرها وتسلطوا على رقاب أهلها، منذ استقلالها إلى اليوم، وأعظم مصائبها على الإطلاق هم حكامها منذ احتلالها في يوليو 94م حتى تحريرها في يوليو 2015م، ممن تفانوا في استهدافها سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، وحضارياً، حتى أحالوها إلى قرية كبيرة، محاطة بالخراب والفساد، والدمار الشامل. أما المصيبة الأكبر، والأشد إيلاماً حتى اليوم، فتكمن في أن الفساد الذي ازدهر في حقبة عفاش ورجاله ما زال مستمراً في عدن بذات النهج وذات السلوك، حتى أنه يخيل إلي أحياناً أن عفاش ما زال هو من يدير عدن، وليس حكومة شرعية لطابور مسؤوليها بداية وليس له نهاية.