حينما تلقى المخلوع علي عبدا لله صالح بلاغا مباشرا من مخبريه إن جمعية أبناء ردفان بعدن تستضيف لقاءا للفرقاء الجنوبيين ،أسموه لقاء التصالح والتسامح ، كان الرجل لحظتها يتبادل النكات ويستعرض بغرور لا حدود له ، قدراته الخارقة في تركيع الجنوبيين. وبحسب شهود كانوا إلى جواره في القصر الرئاسي بالتواهي ، امتقع وجه الرجل فجأة ،و قفز كالملدوغ صارخا بعصبيه : أغلقوها أغلقوها .
بمكر وخبث فهم الرجل ما معنى إن يتصالح الجنوبيون ،وما مدى خطورة تصالحهم على مشروع الفتنة والتفرقة التي يعمل عليها لإطالة أمد استعبادهم ، وهو المشروع الذي عمل عليه من قبله الكثير من حلفائه ،في سبيل زرع الشقاق بين الجنوبيين لتسهل السيطرة عليهم وضرب بعضهم ببعض.
هذا المحروق الذي لم يكن محروقا بعد كان يعي تماما إن جنوب ما بعد 13 يناير 2006م لن يكون شبيها بقبله، فاصدر غاضبا عقوبته على هذه الجمعية الخيرية الاجتماعية التي نفذ قرار إغلاقها من ساعته حتى اللحظة بقرار سياسي .
.
علم المخلوع قبل أن يصير مخلوعا ،ان هذا اللقاء الذي جرى في شقة صغيرة بمنصورة عدن وبسرية تامة ، سيكون هو بداية تعافي الجسد الجنوبي الذي أنهكته الصراعات التي وجدوا أنفسهم فيها دون مبرر يستحق كل ذلك النزيف من الدم ، قبل ان يتبين لهم بعد سنين طوال أنهم كانوا ضحايا مؤامرة استهدفت إضعافهم وشق صفوفهم ،حتى أوصلتهم إلى ما لم مالم يتوقعوا إن يصلوا إليه من الوهن والهزال.
تسبب تصالح وتسامح الجنوبيين في يناير 2006 م إثارة حفيظة أعدائهم ففي أعلى هرم الرئاسة انشغل الرئيس بلعن المتصالحين ، وفي الشارع كان فتى مراهق استوطن عدن بعد احتلالها في 94م ، يعكس مضمون خطاب الرئيس وهو يتحدث إلى برنامج تليفزيوني بصفته مواطنا عدنيا أصيلا ، رافضا فكرة التصالح والتسامح متسائلا باستعلاء :من يسامح من ؟ نحن من فقدنا أهلنا ودمرت بيوتنا في صراعات الرفاق ،ولذلك لا تصالح ولا تسامح .
صحافي آخر ممن احتضنتهم عدن بعد ان أتوا إليها فارين من بطش الإمام كرس صحيفة كان يديرها بدعم مؤتمري سخي تجاوز ستة ملايين ريال يومها ، للتذكير بأحداث يناير وأرفق بها كما كبيرا من صور الضحايا معلقا عليها : إن الدماء لن تصير ماء وان نسيان جرائم الماضي مرفوض مرفوض.
احد الفلاسفة القادمين من خارج حدود الجنوب ومن ذات الفصيل الذي دمر عدن مازال حتى اللحظة مصرا على أن أي تصالح أو تسامح لا قيمة لهما ولا مبرر ما لم يسبقهما تطبيق مبدأ العدالة انتقالية ،ومفهوم العدالة الانتقالية لديه المحاكمة والمحاسبة وفتح تحقيق ان فتح لن يقفل وان بدا لن ينتهي.
في زحمة كل هذا القلق من مجرد فكرة إن يتصالح الجنوبيين يمكن للجنوبيين إن يدركوا إن في تفرقهم مصلحة لخصومهم وان تقاربهم وتكاتفهم قوة وثبات والأهم أنهم تيقنوا ،ولو بعد فوات الأوان بان الصراع والاقتتال الجنوبي لم يكن نزقا جنوبيا خالصا بل كان هناك من يشعله ويغذيه ويحرص على بقائه مشتعلا وبأدوات جنوبية.