في اللحظة التي كانت فيها بعض قنوات التلفزة التابعة للرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، تعلن عن قراراته بشأن تعيين عدد من القيادات العسكرية في مفاصل مهمة من الجيش المسمى وطنياً وإزاحة قيادات أخرى، كنت أتحدث على الهواء على قناة عالمية عن أسباب تأخر حسم المعركة، مرجعاً ذلك إلى غياب الإقتناع لدى قيادة الجيش اليمني الموالي للشرعية في خوض معركة حقيقية في مواجهة انقلاب جماعة الحوثي وصالح.
في الحديث أفصحت عن اقتناعي بعدم وجود نية حقيقية لدى القوى البارزة في الشمال لخوض المعركة، باسثناء ما شهدناه في الأيام الأخيرة في تعز، والتي حقق الجيش والمقاومة خلالها تقدماً مهماً في جبهات عدة. وفي الحديث بينت كذلك أن طرفاً رئيسياً في الحكومة الشرعية تمثله قيادات في جماعة "الإخوان"، إضافة إلى بعض الوجاهات القبلية والمشائخ وتجار الحروب، حريص على عدم انتهاء الحرب، فهي بالنسبة له بقرة حلوب، تدر على بعض المحسوبين على جبهة الشرعية الأموال الطائلة. لذلك، وخلال سنة وثمانية أشهر ظلت الجبهات على حالها في حالة سكون وثبات، و لم تحقق أي تقدم، وهكذا يخطط لها أن تستمر إلى ما شاء الله لها أن تستمر.
في تأمل سريع فيها، نجد أن جزءاً من قرارات الرئيس هادي وليس كلها جاء مستجيباً لملاحظات عدة طُرحت في اتجاه عدم فاعلية الجيش المحسوب عليه، وخاصة قرار إقالة نائب رئيس هيئة الأركان، ناصر الطاهري، وتعيين رئيس أركان آخر جنوبي، المحرمي اليافعي، وإن كان ذلك غير كاف طالما ظلت قيادة الجيش تحت إمرة اللواء المقدشي الذي يبدو أنه مشغول بإعداد جيش خالص الإنتماء للواء علي محسن الأحمر، ولمهام ليست مستعجلة، وليس منها مواجهة الإنقلاب الذي أجبر اللواء الأحمر على الفرار إلى السعودية.
فوفق أبسط الحسابات، لا يعقل بالمطلق أن يعجز جيش يتجاوز تعداده حسب التسريبات المائة ألف مقاتل، وخلال ما يقرب من عامين، عن تجاوز تلة صغيرة في جبال صرواح، إذ لا شيء يبرر هذا العجز سوى غياب النية والجدية في القتال، وهما العاملان اللذان استطاعت بهما المقاومة الجنوبية أن تحرر أربع محافظات جنوبية في ستة أيام.
ووفق حسابات منطقية أخرى، لا يُفهم كيف تم الإبقاء على قائد كعبد الرحمن الحليلي، قائد المنطقة العسكرية الأولى، بعيداً عن المعركة، وتركه وجيشه الذي تحوم حوله شبهات بالتعامل مع "القاعدة" في حضرموت، رغم الأصوات الجنوبية المرتفعة المنادية برحيله عن المحافظة. ومثله يتساءل الناس باستغراب كيف سُمح لهاشم الأحمر بمواصلة عبثه في إيرادات منفذ الوديعة، التي يصادر فيها على الدولة مليارات الريالات شهرياً دون وجه حق، في حين كان يُفترض أن يدفع به وقواته للقتال في محافظته المغتصبة عمران أو صعدة، والتي اضطرت دول التحالف للإستعانة بالسلفيين من المقاومة الجنوبية لخوض معركة تحريرها بدلاً عن أهلها.
وعلى ذلك، يبدو السؤال الأكثر أهمية هل أدرك الرئيس هادي ومعه التحالف مؤخراً أن الجيش الذي يراهنون عليه غير جدير أو بالأصح غير مقتنع بتنفيذ المهام المنوطة به، ولذلك بدأ بإجراء بعض التعديلات في هرم قيادته؟ وهل أدركوا أن هاشم الأحمر ظل مشغولاً باستثمار مليارات الوديعة لمصلحته الشخصية دون وجه حق، ولذلك تم تحييده؟ وهل سيحاسب عما نهبه من إيرادات هذا المنفذ التي ظلت تذهب إلى جيبه لسنوات؟
أما السؤال الأهم والأخطر، هل يعي الرئيس هادي ومعه التحالف أن قائد جيش استعادة صنعاء، المقدشي، غير مهتم بأمر صنعاء، وأنه مشغول ببناء جيش "إخواني" العقيدة ولمهمة مؤجلة، ربما تبدأ عندما تنتهي الحرب وتُنهك أطرافها المتحاربة اليوم؟
*عن موقع "العربي"