عن الخطاب النزق داخل الحراك الجنوبي

2016-11-09 03:46

 

الخطابات النزقة والشعارات المتطرفة سواءً في خطابات المنصات أو البيانات والمشايع الثورية والسياسية أو حتى الهتافات المسيئة المرددة بالساحات هي آفة اُبتليتْ بها كل الثورات الشعبية على مـرّ التاريخ منذ ثورة الفرنسية وحتى ثورات اليوم. ففشل الثورات موكل بهذا المنطق التدميري ,ولم تكن الثورة بالجنوب اليمني استثناءً من هذا السوء.

 

فمنذ انطلاقة الثورة الجنوبية قبل سنوات اعترتها هذه الآفة التي بدأت كحالة طارئة ثم الى ظاهرة نامية , وأخشى أن تصير إلى ثقافة مكرسة مع الوقت إن غض الطرف عنها وعن مَـن يغذيها - بقصد أو بدون قصد -, و تهاون الجميع أمام ضرورة معالجتها  التي يجب ان تكون على شكل ثورة أخلاقية داخل الثورة نفسها وكوسيلة ترميم لكل هذا التصدع, وأداة لتنقية للثورة وشبابها من هذه البكتيريا  الثورية المتعفنة.

 

فالمسيرات الجماهيرية التي يشهدها الجنوب من خلال ثوار الحراك الجنوبي بالساحات- وبالذات منذ شهرين تقريباً - ظهرت هذه الحالة على السطح بصورة لافتة -على الأقل بالنسبة للبعض- مع أنها  موجودة منذ بداية هذه الثورة , غير انها كانت مصوبة  قبل عام 2015م ضد خصوم الثورة الجنوبية من القوى اليمنية وفي حالات نادرة  ضد بعض الحراك الجنوبي نفسه كما حدث بحق رموز( مؤتمر شعب الجنوب) الذين شاركوا بحوار صنعاء. ولهذا لم يكن يلتفت للأسف للأصوات التي حاولت وما زالت تقف امام هذه الظاهرة  وتحاول أن تلفِت الانتباه لخطورة تفشيها دون جدوى ,بسبب حال العقل الجنوبي المنفعل حينها انفعال بفعل قسوة حالة الاستبداد والقمع التي تعرض لها طيلة عقدين ونيف من الزمن, وكان في أحايين كثيرة يتم ألتماس العذر لهذه الظاهرة, وفقا لمنطق أن قول خطا المظلوم له ما يبرره, أو كما قال الشاعر محمد محمود الزبيري .:

(هو الشعب حقٌ مشيئاته× صوابٌ ورشدٌ خطيئاته).

 

لا يوجد لديَّ أدنى شك أن هذه الشعارات لم تجلب للجنوب وقضيته إلا مزيدا من التمزيق والتباعد بين نخبه السياسية والثورية ,وتشكّـل فرصة سانحة للخصوم لدق أسافين بين الأطراف الجنوبية كلها وليس فقط في صفوف ثورته... ولكن في الوقت الذي نمقت هذه الفلسفة التدميرية ونرفض أن ننحدر الى مفردات وشعارات قبيحة ضد خصومنا ويكون معها منطقيا أن نرفضها وبشدة وهي اليوم توجه صوب بعض من قياداتنا ورموزنا الثورية , فأننا في ذات الوقت يجب أن نتصدى لمن يحاول أن يستغل هذه الظاهرة بغرض التشهير بالحراك الجنوبي المتواجد بالساحات ويتخذ منها كلمة حق يُـراد بها تمرير مشاريع سياسية لا تمت لتطلعات الشعب بالجنوب بشيء, أو يحاول توظفيها بطريقة خطيرة ضد نشطاء وقيادات ورموز جنوبية مناضلة بالداخل والخارج كوسيلة ترهيب وقمع للراي الآخر, ووسيلة لكبح مسيرة مناضلي الحراك الجنوبي ممن ما زالوا  قابضين على الحق الجنوبي كالقابض على الجمر في ظل تراخي قيادات وخفوت اصوات وترنح شخصيات وخفوت بريق مشاريع تحررية تحت تأثير المغريات المادية .

 

فالحراك الجنوبي الثوري لم  يكمِـلَ مهمته الثورية بعد, والجنوب ما زال بمسيس الحاجة له ولدوره الريادي. ومن يتخلى من الجنوبيين -وبالذات ممن يؤمنون بحق الجنوب باستعادة دولته- عن وسيلة النضال السلمي فهو دون ان يقصد يضرب الثورة الجنوبي في مقتل من حيث يقـدّر أنه ينتصر لها. فالجنوب اليوم ما زال في قلب العاصفة وعينها, وفي وسط خضم سياسي اقليمي دولي متلاطم, والخصوم يحدقون عليه من كل الجهات, وبالتالي فمن الحكمة والكياسة السياسية الاحتفاظ بكل الوسائل النضالية مها كانت بساطتها ومحدودية تأثيرها, فالاستغناء على وسائل النضال كالمسيرات السلمية  التي يعتقد البعض ان عهدها قد طوي وأن تأثيرها لم يعد له وجودا  فهؤلاء كالبحارة الذين يكسرون مجاديفهم وهم في خضم المحيط المضطرب. فمثل هكذا تصرف هو انتحار سياسي بكل ما للكلمة من معانٍ.

 

فهل استغنت سلطة شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي بكل طيلسانها وبكل ما تمتلكه من قض وقضيض-من قوة عسكرية ومالية وبشرية ودعم سياسي اقليمي ودولي  ضخم- على ساحة خور مكسر بعدن ؟. فلم يرَ رموز هذه السلطة في وسيلة الساحات انتقاصا أو استصغارا لها وهي التي تحوز كل اسباب القوة والتأثير الذي لا مجال للمقارنة بينه وبين ما يمتلكه الحراك الجنوبي من عدمٍ معدوم.