تلفزيون عدن الزاهر كان في يوم ما وكيف أصبح الآن ؟، زمان و رغم إمكانياته البسيطة جدا ، و بروح العمل الجماعي والإدارات الناجحة و الحازمة التي تعاقبت عليه في الفترة السابقة نجح العمل فيه ، و دون أنانية أو تفضيل فلان على علان و إنما التعاون السمة البارزة فيهم ،و كان الجميع مستعد يضحي براحته لأجل نجاح العمل الذي تميزوا جميعا فيه، وتغلبوا على كل الصعاب وبمبالغ رمزية كانت تقدم لهم المساهمات أو راتب شهري يفي احتياجاتهم رغم قلته إلا أنه كان له وزن في قيمته المالية والشرائية ، هذا كما كان البعض ممكن يدفع من جيبه الخاص لتغطية شئ ناقص لبرنامج ما أو ممكن أخد شئ من مقتنيات الزينة الخاصة في البيت لإبرازه ضمن ديكور البرنامج البسيط .
و للأمانة أقول تاريخ تلفزيون عدن عظيم وإرثه كبير فحوت مكتبته وأرشيفه التلفزيوني الكثير من الأشرطة المسجلة بالبرامج والسهرات الفنية وأغاني ، و منها تلك الأشرطة الفيلمية لأولى محاولات مدينة عدن في إنتاج الفيلم السينمائي و أهمها فيلم "من الكوخ إلى القصر" الفيلم الروائي العدني (بنسخته الوحيدة) الذي أنتجه وأخرجه الفنان الراحل المخرج جعفر بهري في بداية السبعينات وأفلام تلفزيونية أخرى للأستاذ أشرف جرجرة وحسين الحريبي وعلوي علي، للأسف الكبير اغلبه ذهب مع أدراج الرياح أو كما يقال خرج ولم يعد من مبنى تلفزيون عدن بعد 1994م .
تأسس تلفزيون عدن في 11 سبتمبر 1964م ، و أنطلق إرساله من مبنى صغير فوق تلة بجبل في التواهي و بقرب ساعة "بيج بن عدن" و تعد نسخة من مثيلتها في لندن للساعة الشهيرة "بيج بن" العالمية .
تختزن ذاكرة الرواد في تلفزيون عدن ومن أسهموا فيه و بصماتهم لا يمحوها الزمن ، و يجب الحفاظ عليها دون أي تشويه أو حذف أو إلصاق انجازات الرواد لآخرين .
من أوائل التلفزيونات العربية
و في حوار سابق أجريته أنا مع الإعلامي القدير عبدالحميد سلام نشر في صحيفة " الأيام " الغراء في الذكرى الرابعة و الأربعين لتأسيس التلفزيون قال :( تلفزيون عدن كان من أوائل بل من طليعة محطات تلفزيونات البلدان العربية التي لم تكن لتتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة آنذاك مصر لبنان والعراق ، وكإرسال تجريبي بدأ في 4 سبتمبر 1964 ولمدة أسبوع بعدها انطلق البث بعد استعدادات مكثفة بشريا وإمكانيات بأجهزة ومعدات متواضعة وطاقة وحماس كبيرين ، فالزملاء الذين انتقلوا للعمل فيه أو كمساهمين منتظمين قادمون من إذاعة عدن .
وتحمل قيادته الأستاذ حسين الصافي كمدير عام للإذاعة والتلفزيون والمدير المباشر للتلفزيون الأستاذ محمد عمر بلجون.
فترة التأسيس عملت قناتان رئيسيتان فقط لمناطق عدن وما حولها ، مع جهازين لتقوية الإرسال، و إلى جانبهم الموجة المتوسطة الإذاعية لإذاعة الترجمة العربية لبعض البرامج والمسلسلات التلفزيونية التي ترجمها مذيعو التلفزيون والإذاعة، وهي أشبه بإذاعة (أف أم) الآن، وجميع البرامج قدمت حية ومباشرة على الهواء لعدم توفر أجهزة التسجيل والمونتاج، وقدمت البرامج والسهرات والمجلات والندوات التلفزيونية.
ويضيف الاستاذ عبدالحميد سلام: )بداية الأمر الاستيديو التلفزيوني كان بسيطا، ولم يكن لدينا كراسي كافية، وكنا نضطر للاستعانة بصناديق خشبية فارغة أو بصناديق معدات التلفزيون، وغطيناها بقماش أو قطعة نايلون لنجلس عليها، وقدمنا أروع البرامج بإمكانيات وأدوات بسيطة لحبنا للعمل وبروح الأخوة والتفاهم التي كانت سائدة بين الجميع واعتبرنا التلفزيون والإذاعة مسئولية شخصية منا و حرصنا على نجاح جميع الأعمال المقدمة عبرهما .
التلفزيون المدرسي
و لم يكن تأسيس تلفزيون عدن قد تجاوز عامه الأول، كلفت لجنة بإنشاء التلفزيون المدرسي ( school t.v ) ولهذا الخصوص عقد اجتماع في تاريخ 23/ 5 / 1965 بمكتب الأستاذ القدير المرحوم إبراهيم روبلة، وهو من طليعة القيادات التربوية في وزارة التربية والتعليم آنذاك، وتكونت اللجنة من الأساتذة: إبراهيم روبلة، لطفي جعفر أمان، عثمان عبده محمد، سلطان عبده ناجي، عبدالحميد سلام، عزيزة العطاس، أبوبكر العطاس،
بالإضافة إلى الأساتذة ممثلي المدارس التي كانوا يديرونها في منطقة عدن: حسين علي منيباري، أبوبكر عقبة، حسن نور الدين، نصر حسن عباس، محمد علي، و حرصت اللجنة على نجاح دور التلفزيون المدرسي في أداء رسالته لأبنائنا الطلبة آنذاك و يقدم صباحا والطلبة في مدارسهم يتابعوه عبر شاشة التلفزيون ، والبرنامج يعد من طليعة إنجازات تلفزيون عدن بل فتحا رائدا وسبقا عظيما تجاوز به بعض البلدان التي كانت تواكب مسيرة ومسار تلفزيون عدن انذاك .
أنجح البرامج الغنائية
و البرامج التي قدمها الأستاذ عبدالحميد سلام بتلفزيون عدن ) ندوة التلفزيون ومجلة التلفزيون و برنامج (جنة الألحان) المميز بالسهرة الغنائية ولمدة ساعتين أسبوعيا وعلى الهواء مباشرة من أنجح البرامج الغنائية، فقدمت من خلاله كبار الفنانين الذين حرصوا على تقديم كل جديد من إنتاجهم الفني الخاص، و التنافس الشريف كان السمة البارزة بينهم).
مدرسة إعلامية
و إضافة أخرى عن تاريخ تلفزيون عدن شهد عليه جزء من حواري الأخر مع الأستاذ المخرج القدير و المبدع محمد محمود سلامي و نشر في صحيفة "الأيام " أيضا ، قال المخرج السلامي :( عمل الأمس في تلفزيون عدن الرائد زمان أعتمد على الأشخاص وإبداعاتهم، والإمكانيات كانت بسيطة والتقنية محدودة، أنا و جيلي من الزملاء عندما بدأنا العمل في التلفزيون و على أيادي عمالقة كبار مثل عبدالحميد سلام (أطال الله في عمره)، علوي السقاف و محمد مدي (الله يرحهم) ، تعلمنا منهم وظللنا نراقب عملهم لأكثر من ستة أشهر لم يسمحوا لنا فيها بالعمل إلا بعد التدريب وبعدها عملنا وتفوقنا كثيرا .
و يعتبر تلفزيون عدن من أعرق محطات التلفزة بعد تلفزيونات مصر ولبنان والعراق، و مدرسة نفتخر بها، وكذا إذاعة عدن كونهما شكلا مدرسة أنجبت العديد من الزملاء الذين نبغوا في سماء الإعلام العربي والعالمي أمثال عبدالرحمن باجنيد، ومحمد عمر بلجون في إذاعة هولندا
*- لبنى الخطيب