يقول الحق تبارك وتعالى (واذا قيل لهم لا تفسدوا في اﻷرض قالوا إنما نحن مصلحون ، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ).
فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم ..بين المسئول ورعيته ..هي علاقة عهد وميثاق و وصل أمانة وذمة ..فعلى الحاكم أو المسئول أن يقيم ويلتزم بالحق و أن يؤدي ماعليه من واجبات وأن يقف ضد الباطل والظلم والطغيان والفساد .. وأن يقوم على رعاية الشعب وأمنهم وتطورهم بحسب الصلاحيات الممنوحة له والمقيدة عليه وبحسب تطبيق اﻷنظمة والقوانين والدساتير .. وأن يدرأ عنهم ما استطاع من الصروف والمحن والخوف واﻹقتتال وان ينافح ويكافح عنهم كل أسباب الوهن والضعف والفقر والمرض ..وأن يعمل على تطور ورقي الفرد والمجتمع معا . .. هذه مجمل ما يجب عليه ان يكون كل حاكم أو مسئول في كل بلد من بلدان العالم ..
وهناك في معظم الدول الراقية و عند تولية او تعيين حاكم أو مسئول جديد بأن يتقدم بصك إبراء الذمة وتوثيقها من المحاكم حتى لايتهم في الفساد والسرقة والنهب ..فإن خرج من منصبه يخرج بمثل مادخل اليها عدا الرواتب أو المميزات التي تحصل عليها بحسب النظام والقانون ..
ولكننا في بلد مثل اليمن فقد عاصرنا وشاهدنا نموذجا مختلفا في النزاهة من عدمها .. من التبرئة أوالفساد ..
فكيف برئيس بلد وبعد توليته لمقاليد الدولة أن يصبح يعوم في عالم الثراء وبأرصدة مليارات وقد كان قبل ذلك مجرد عسكري أو ضابط مغمور في جيش الدولة او كان في غيرها من الوظائف أو المناصب البسيطة وهو لايملك شيئا .. !فمن أين أتي بتلك اﻷموال والمليارات ..؟ ولكن اﻹجابة عن هذا التساؤل وفي وضع كوضع اليمن ليست صعبة .. ولا تحتاج ﻹجتهادات أو تفكير ..فلم يأت بتلك اﻷموال من الخارج منح أو هبات أو هدايا لخاطر سواد عينيه .. و لم يأت بها من كدح اﻷيام والسنين جراء عرق جبينه من تراكم مرتباته حتى وصل الى ما وصل اليه ..بل هو ذلك الفساد بعينه وإخلاله بذمته وأمانته والعهد والقسم الذي أداه أمام الله وشعبه .. فمن مثل وأمثال هذا الحاكم أو المسئول فلا يرجى خيرا منه على اﻷطلاق ..فلا خير فيه ولا بركة ..فقد فسد وأفسد غيره .. والفاسد لا يأتي الا بالفساد كما وأن الخبيث لا ياتي منه إلا الخبيث فلا تجني العنب من الحصرم .. حتى وإن ظهر أمام الناس بالنزاهة ولبس مسوح الرهبان وأبدى تعاطفا مع هذا أو ذاك .. ﻷنه يدرك جيدا بأن تلك اﻷموال هي أموال كل الشعب الذي أقسم يوما بالولاء واﻹخلاص لله ثم الوطن ..
فأين تذهب تلك اﻷموال أموال الشعب ؟ أو باﻷحرى أين يذهب بها ؟
فبعد أن يبني له القصور المتعددة واﻹستراحات الفاخرة والمركبات الضخمة والمتنوعة وإنشاء المشاريع والشركات التجارية ذوات الفروع الداخلية والخارجية وإيداع مايمكن إيداعه في البنوك المحلية واﻷجنبية وبألأسماء الصريحة والسرية .. وتذهب جزءا من تلك اﻷموال في شراء الذمم وإسكات بعض اﻷصوات ..والعمل جاهدا على تحسين مستوى عائلته وأقربائه في تنصيبهم للوظائف والمناصب العليا في كل المجالات المدنية واﻷمنية والعسكرية .. للاعتماد عليهم للسيطرة على البلاد ولديمومته على رأس السلطة .. وبذلك فلا يتوانى أن يزود الجيش بكافة انواع اﻷسلحة الفتاكة وتدريب العناصر على مكافحة أية بوادر تذمر أو تململ أو ثورة من قبل الشعب ... وفعلا فقد توجهت تلك اﻷسلحة بكل أنواعها على صدور الشعب وفي مراحل تاريخية عدة ..ذلك نموذج من نماذج طغيان الرؤساء الذين أبتلي بهم الشعب .. وليس أمام المواطن الا إختيارات عدة منها : الشحاته داخل البلاد .. أو الهجرة خارج الوطن وبما فيها من صعوبات كبيرة يتحملها الفرد ومعاناة عظيمة ..أو البقاء داخل البلاد واﻹنكفاء على راتبه الضئيل إن كان موظفا أو عاملا ..ذلك الراتب الذي لايوفر ولايسد له مقومات حياة كريمة له وﻷسرته .. وإختيارات أخرى أن يعمد الى السرقات واﻹبتزاز والنصب واﻹحتيال والتقطعات ..
ذلك ماجناه عليهم ذلك الزعيم أو الرئيس .. والغريب أن فئات من الشعب قد إستمرأ تلك الحياة وظل ينادي ويهتف لذلك الزعيم أو الرئيس بأنه هو الزعيم الفذ والقائد المحنك ..الى آخره من نعوت التمجيد ..
نماذج آخرين لهؤلاء المتنفذين أو المسئولين ..فقد ترى الوزير هذا أو ذاك ونوابهم وقادة اﻷلوية في الجيش أو اﻷمن او الذين بمرتبة مدير عام أو قاضي او حتى عضو مجلس النواب .. فقد تجد أن حياته الخاصة وبما أمتلك من أموال منقولة وغير منقولة قد إنقلب 360 درجة عما كان عليه قبل توليه تلك المهمة او ذلك المنصب ..
فالفساد من قمة الهرم قد أعطى المؤشر اﻷخضر لمن كان في اﻷسفل ومن كان دونه .. فأصبح النهب والسطو على أوسع نطاق ..ونهبت اﻷراضي والقصور والثروات مافوق اﻷرض وما تحتها وحتى ماكان في البحر أيضا ..وطبعا فأودعت المليارات والمليارات من العملات الصعبة في البنوك العالمية ولو تم إستخدامها وتوظيفها داخل البلاد لما وجدت المعوزين والفقراء ولما كانت الهجرة الى خارج البلاد وأرتفعت المستوى المعيشي ودخل الفرد داخل الدولة واستطاعت الحكومة أن تنفذ خططها وبرامجها اﻹنمائية لصالح البنى التحتية والمشاريع اﻹنمائية وبناء المجتمع المتطور والمزدهر ..
وبالمقابل فهناك من نجد فعلا من كان يخاف الله ويتقيه وتبقى أياديه نظيفة ولم تتلطخ باﻷموال المحرمة ..التي هي ليست ملكه بل هي ملك و أموال الشعب ..
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في اﻷرض قالوا إنما نحن مصلحون ..
الكاتب أنور سالم الصيعري