ما دفعني للبحث في مسألة التعدد هو الشحن الإعلامي المتواصل للمرأة العربية ومحاولتها غرس نظرية أن الرجل حال إقدامه على الزواج بالثانية فذلك يعني بالنسبة لها نهاية الحياة وقد حدثني صديق عزيز أن زوجته الأولى كانت نموذجا على مستوى عال من التعليم وتحفظ بجانب كتاب الله صحيحي البخاري ومسلم وتدرس في منزلها كثير من الداعيات كتباً معقدة في أصول الفقه غير أنها قد أقامت الدنيا ولم تقعدها وغادرت منزل الزوجية إلى بيت أبيها وحلفت بأغلظ الأيمان أنها لن تعود إليه حتى يطلق زوجته الجديدة بل ذهبت إلى أبعد من ذلك ورفضت مقابلته أو مجرد الحديث معه معتبرة أن ما أقدم عليه خيانة كبرى وطعنة في الظهر لمن شاركته عناء ومصاعب أيامه الأولى حينما كان معدماً فقيراً لا يكاد يجد قوت يومه .
يقول عميد معهد المعلمين عبد الواحد محسن:
إن الزواج بالثانية عبادة وتقرب من الله تعالى وامتحان حقيقي للإنسان في إيمانه ويقينه بالله, ناهيك عن أن الزواج بالثانية يسهم بفعالية في القضاء على ظاهرة العنوسة في المجتمع ويؤصر روابط التكافل والتماسك في المجتمع لو نظرنا
إليه نظرة فاحصة بعيداً عن التعصب متجردين من أي أفكار مسبقة لوجدنا أمثلة ناجحة ومثالية في هذا الأمر, ولنا في الرسول وصحابته أسوة حسنة.
يرد كثير من المتعصبين المناهضين لفكرة الزواج بالثانية أن إيراد أمثلة عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار كان مرهوناً بالعدل وحالات خاصة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وليست بطراً ويضيفون أن الرجل يفرط في أكثر أمور الدين وحين ترتبط المسألة بالزواج تراه يعود إلى الشرع وضرب الأمثلة مستنداً بالقرآن الكريم وحق الرجل في التعدد مثنى وثلاث ورباع.
القانون يلزم الزوج بإشعار الزوجة الأولى بالمسألة:
المحامي رياض صالح علي: يقول إن القانون كان حاسماً في هذه المسألة تبعاً لرأي الشارع في أن الأصل بالزواج بأكثر من واحدة الإباحة ومرد ذلك إلى النص القرآني والقاعدة الشرعية أن الحلال بين والحرام بين, وأهم المشكلات القانونية في هذا الخصوص إلزام القانون الزوج بإشعار الزوجة الأولى برغبته الزواج من أخرى وكذا إعطائه الحق للزوجة في فسخ الزواج بسبب الزواج من الثانية. وخلاصة الأمر أن الله ما شرع وأباح الزواج من أكثر من واحدة إلا وفي ذلك مصلحة للمجتمع والأمة وفيه درء لمفاسد أكثر لا سيما وقد أصبحنا نلمس ذلك في واقعنا المعاش.
يرى علي عبيد هادي: "أن المسألة بحاجة إلى عدم التعميم, والقرار والحكم في كل حالة يكون على حدة ففي أحيان كثيرة قد يصل الأمر إلى درجة الضرورة مثل زواج الأخ من زوجة أخيه المتوفى حفاظاً على أولاده وماله ولا يختلف اثنان في التسليم بشرع الله فهذه المسألة محسومة لكن هناك إرث مجتمعي وخصوصية في الجنوب عائدة إلى تحريم القانون في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك التعدد ما أرسى نوعاً من ثقافة التسليم بالأمر الواقع عند الرجال هنا وساهم إلى حد بعيد في إبعاد حتى من مجرد التفكير بها.
الزوجة الثانية جاهزة :
محمد قائد (55عاما) يقول إن الرجل في الجنوب ميال بطبعه إلى الاستقرار والألفة والبعد عن المشاكل والتشاحن الذي قد ينشأ نتيجة ردة الفعل من إقدام الأب على الزواج بالثانية بالإضافة إلى التأصيل الثقافي والتأثير الكبير لأجهزة الإعلام والأحكام المسبقة السلبية لدى غالبية النساء بأن الزوجة الأولى سيطالها الإهمال ونكران الجميل صعب المسألة ولو نظرنا إلى التجارب الناجحة دون تحيز لاختلفت نظرتنا إلى الأمر برمته فهناك العديد من التجارب الناجحة والتي يلبي فيها الزوج ويقوم بواجباته على أجمل وجه قدر المستطاع في العدل بين زوجتيه الأولى والثانية. ويؤكد قائد وهو بكامل صحته ولياقته بقوله: عموما أنا شخصيا قد عزمت وتوكلت والزوجة الثانية جاهزة .
بعبع الزوجة الثانية نهاية الحياة :عض عليها أصابع الندم وقد رأينا الكثير ممن خاضوا تلك التجربة يعودون إلى زوجاتهم وأولادهم. ويلفت حكيم إلى أن المسألة إذاً لا ينبغي أن نقدم عليها في شوطات الغضب وأيام الخصام والتذمر بل هي مسألة يترتب عليها كثير من التبعات. ويضيف العقيد: مسألة التعدد مفروغ منها بأمر الله ولا نقاش في ذلك ولكن موازنة المصالح والمفاسد في هذا الشأن ضرورية وكم من نموذج سلبي بات اليوم ماثلاً أمامنا - مع أن هذا لا يعني التعميم - فقد رأينا كثيراً من الرجال يستخدم التعدد كزواج متعة دون مسؤولية أو التزام حيث يترك الزوجة الثانية ويختفي وقد يترتب على ذلك ضياع صبية صغار لا ذنب لهم أو جريرة.
الأستاذة سبأ, معلمة تقول إنها لا تمانع البتة من أن يتزوج زوجها عليها شريطة أن يفي بالتزاماته ويبحث له عن منزل آخر وزوجته الجديدة, وهاجمت الأستاذة سبأ بشدة الرجال الذين وصفتهم بعديمي المسؤولية والذين يستهترون بدين الله ويوظفونه لإشباع نزواتهم المريضة. واستطردت "ترى الواحد منهم لم يدخل مسجداً في
سيناء عادل (18 عاما مطلقة) تروي تجربة زواجها القصير بقولها :"تزوجت بإرادتي وضحيت بدراستي مدفوعة وراء بهرجة ليلة الزفاف والنادي وفرحة صديقاتي والثوب الأبيض وطمعاً في الاستقرار لكن ذلك الحلم تبخر بعد مضي شهور قليلة حين اكتشفت أن زوجي مدمن على المخدرات والخمر وبدأ يضربني ويعاملني بكل قسوة حين يعود إلى البيت في ساعات متأخرة من الليل وبعد محاولات عديدة ووساطات وإصراري على الطلاق وجدت نفسي في منزل والدي مجدد".
تقف سيناء مستأنفة الحديث :"أرى أن موافقتي على الزواج من رجل متزوج خاضع لعوامل عدة منها مقدرته المادية وسبب إقدامه على الزواج بالثانية وأما موافقتي على زواجه بعد ذلك بزوجة ثالثة فالمسألة بحاجة إلى كثير من التفكير حيث إن كثيراً من الفتيات والنساء عموما يرين أن زواج زوجها بالثانية يعتبر نهاية للحياة ويساعد على ذلك تأجيج كل من حولها وتحريضهم لها بعدم القبول بالأمر وطلب الطلاق كوسيلة ضغط على الزوج لحمله على التراجع عن قراره فيدخل العناد والشيطان ويتم الطلاق فعلياً والأمثلة كثيرة وقاعات المحاكم تنظر بشكل شبه يومي في مثل هذه القضايا".
العقيد حكيم العسني :يقول إن مسألة القناعة والرضى تلعب دوراً حاسماً في هذا الأمر ولو استطاعت الزوجة أن توفر لزوجها سبل الراحة والرضى وتحمل معاناته والصبر عليه لما فكر كثير من الرجال في الدخول بتجربة زواج ثانية ربما يكتشف بعد شهور قليلة أن ما أقدم عليه ليس إلا مغامرة ونزوة عابرة سرعان ما يحياته ولا يعرف كتاب الله ويحفظ فقط آية التعدد التي تتيح له اللهو ببنات الناس ورميهن مع أطفالهن والاختفاء", وحذرت جرادة أولياء الأمور من الانجرار خلف المال الذي تدفع ثمنه البنت الصغيرة بعد ذلك.
سهى ترغب ببداية جديدة :
سهى طالبة جامعية كانت لها تجربة مريرة دفعت ثمنها غالياً وتقول إنها ترغب في سرد حكايتها على صفحات الأمناء حتى تتعظ من في عمرها ولا يعدن التجربة :
تقول سهى:كنت في سن المراهقة وعنفوان التحدي والرغبة الشديدة في نيل كل ما أريده فنحن 4 بنات وأخ كبير شغلته حياته الخاصة بعد وفات والدي وتركنا لأمي التي انهمكت في توفير لقمة عيش كريمة لي وأخواتي وسط هذه الأجواء المحبطة تعرفت بشاب لا يكبرني كثيراً وظروفه المادية لا تسمح له مطلقاً حتى مجرد التفكير بالزواج وكان أن ارتكبت خطأ قاتلاً وهربت من منزل والدي وتزوجت بمن أحب وما هي إلا شهور حتى بدأت الحياة تلقي بهمومها علينا وتبينت حجم الكارثة والغلطة التي ارتكبتها بحق نفسي وأهلي فعدت مسرعة إلى تحت أقدام أمي طالبة السماح والغفران وطالبت بالطلاق وهو ماحدث فعلاً وأعتقد أنني أحتاج إلى فرصة ثانية بمعايير تقليدية بحتة .
الشرع :الأصل في المسألة التعدد:
يقول الداعية السعودي في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف محمد بن سعد الشهراني:" في هذه المسألة الأصل أن التعدد مباح للرجل إلاّ إذا اعتراه ما يغيّر حكمه من الإباحة إلى غيرها؛ إما التحريم أو الوجوب أو الاستحباب أو الكراهة فيكون التعدد محرّماً إذا كان يعتريه ما يحرِّمه كأن يتزوّج بزوجة خامسة أو يجمع بين المرأة وأختها والله تعالى يقول : وأن تجمعوا بين الأختين, أو بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وقد نهى النبي عن ذلك في حديث أبي هريرة مرفوعاً (رواه البخاري ومسلم) وفي حديث جابر (رواه البخاري).
ويكون محرّماً إذا غلب على الزوج الظن أنه لن يستطيع العدل بين زوجاته فيما يجب عليه العدل .
ويكون التعدد واجباً إذا كان عدمه يؤدّي إلى محرّم أو يمنع من واجب، كمن عنده زوجة لا تغنيه عن النساء وإن لم يعدِّد وقع في الزنا والعياذ بالله، فهذا يُقال له : عَدِّد وتزوّج بثانية، وهذا ما يعبِّر عنه الفقهاء بقولهم "إذا خاف على نفسه الفتنة وكان قادراً على النفقة والمبيت" .
ويكون التعدد مستحبًّا إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مستحب كالإكثار من النسل، فإن الرسول سيكاثر بنا الأمم يوم القيامة، أو كالإعانة في إنقاص عدد العوانس من المسلمات أو لرعاية أرامل المسلمين .
ويكون التعدد مكروهاً إذا كان فعله يؤدِّي إلى مكروه، كطلاق الزوجة الأولى بسببه من غير سوء فيها يؤدِّي إلى طلاقها، أو إذا كان فعله سيشغله عن تحصيل فضائل الأمور كطلب العلم والعمل الخيري، أو أن يعدِّد مَن كان ضيِّق الصدر كثير الغضب، فهذا أكره له التعدد، لأن التعدد يحتاج إلى حلم وسعة صدر للزوجات.
ا