في مثل هذا اليوم قبل 52 عاما: جريمة الجبهة القومية بتفجير طائرة الدبلوماسيين الجنوبيين

2025-04-30 05:54
في مثل هذا اليوم قبل 52 عاما: جريمة الجبهة القومية بتفجير طائرة الدبلوماسيين الجنوبيين

وزير خارجية ج ي د ش محمد صالح عولقي أبرز المستهدفين بالأغتيال

شبوه برس - خـاص - عــدن

 

يذكّر محرر "شبوة برس" أنه حدث في مثل هذا اليوم قبل 52 قام أنذال وصعاليك الجبهة القومية عبر جهاز "أمن الثورة" بقيادة المجرمين عبدالفتاح إسماعيل الأمين العام للجبهة القومية و "محسن الشرجبي" رئيس الجهاز الإرهابي القمعي بأوسخ وأحقر عملية اغتيال جماعي لم تنفذها أكثر عصابات الاجرام الدولي بشاعة وعنفا وحقارة ووضاعة .. حيث نفذت أجهزة أمن الجبهة القومية عملية اغتيال جماعية لزملائهم العقلاء غير المرضي عنهم في صفوف تنظيم الجبهة القومية وهم من خيرة الدبلوماسيين وكلهم جنوبيين وليس بينهم لغلغلي أو زيدي والقيام بتفجير الطائرة التي تقلهم فوق هضبة وادي العين بوادي حضرموت بعد أن تم الفرز للمستهدفين بالأغتيال في مطار عتق أثناء توقف الرحلة بعيدا عن الأنظار في مطار عدن من قبل جهاز "أمن الثورة" وقيادة السلطة الحاكمة في ما تعرف سابقا بالمحافظة الرابعة محافظة شبوة حاليا".

 

محرر  "شبوة برس" أطلع على التقرير التالي لـ "د. معن عبدالباري قاسم" تحدث فيه عن والده السفير "عبدالباري قاسم" الذي كان من ضمن المستهدفين بالاغتيال ونعيد نشره: 

يصادف 30 أبريل من هذا العام 2025 الذكرى السنوية (52) لواقعة تفجير طائرة الدبلوماسيين اليمنيين – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك قبل الوحدة – والتي راح ضحيتها 25 شخصاً، منهم 22 دبلوماسياً بالإضافة إلى 3 من طاقم الطائرة.

تمضي السنوات كما تنطفئ شموع حياتنا في تقلبات الزمان والمكان والأشخاص، وتبقى الذكريات ندوباً تستجر الألم والحنين وبقايا الحزن والأسى لمن فقدناهم في تلك المأساة؛ آباءنا الأحبة إلى قلوبنا، نور وضياء سمائنا التي أبصرنا فيها دنيانا، وكانت لنا الحمى والحضن الدافئ والأمل والسعادة والفرحة، ومفاتيح التعلم لفك رموز الحياة وإجادة فن التعامل الأخلاقي والإنساني النبيل.

لست في هذه السطور مستعجلاً بعد في التحري عن ذلك الحدث المأساوي وتفاصيل المؤامرة… الجريمة، فقد تناولها العديد على مر السنوات المنصرمة، رغم عدم الاعتراف والإقرار الرسمي حتى اللحظة بالجريمة والاعتذار وجبر الضرر.

لكنني سأحاول أن أنعطف بمنحى آخر أكثر إشراقاً لأعرف القارئ من خلال هذا الاستذكار التاريخي بسيرة حياتنا اليومية المعاشة مع والدنا، ولمدى ذلك الرقي الحضاري والثقافي العميق في أثره لخلق الشخصية المأمولة لأبناء الثورة والمستقبل الذي كان آباؤنا ينشدون تحقيقه من خلالنا. بالطبع كل شيء تبخر وذهب أدراج الرياح كما يقول المثل، وتبقى الذكرى ترن في عالم النسيان، أو كما قال المثل الكازاخستاني: " ما فات مات ولكن لا يُنسى".

بعد أن قدم والدنا استقالته في أبريل 1970 من منصبه كوزير للتربية والتعليم وأيضاً كوزير للثقافة والإعلام بالوكالة ورئيس مجلس إدارة صحيفة 14 أكتوبر، التي يعتبر مؤسسها ورئيس تحريرها الأول منذ يناير 1968م – احتجاجاً على قتل أحد أبرز القادة المؤسسين لثورة 14 أكتوبر، المناضل فيصل عبداللطيف الشعبي، والذي كان معتقلاً في سجن الفتح بالتواهي عقب ما عُرف بالخطوة التصحيحية الانقلابية يونيو 1969 – قررت القيادة السياسية آنذاك تعيين والدنا في يونيو 1970 كسفير فوق العادة – أي بكامل صلاحيات رئيس الدولة – في شرق أفريقيا (الصومال، كينيا، تنزانيا)، وظل بهذا المنصب حتى لحظة تفجير الطائرة في 30 أبريل 1973 .

اختصاراً للسردية وتفادياً للإطالة بالتفاصيل، سأكتفي في هذه المقالة الاستعراضية بتصفح أربع محطات للذاكرة تعود لمعايشتي القريبة مع والدي الشهيد السفير عبدالباري قاسم، طيب الله ثراه ورحمه وغفر له وعوضه الجنة.

المحطة الأولى: سيارة السفير ذات سارية العلم

كانت لدى السفير سيارتان، إحداهما للمهام الرسمية ماركة مرسيدس وعليها سارية علم اليمن الديمقراطي من جهة اليمين، والأخرى رانج روفر للأغراض الشخصية والمنزلية.

في أول يوم لدوامي بالمدرسة بعد القدوم من عدن، تقدمت إلى السيارة المرسيدس قبل ظهور والدي لتنقلنا إلى المدرسة، ومعنا والدنا إلى السفارة صباحاً عند الساعة 7:30 ، جلست بجوار السائق، إلا أنه طلب مني أن أجلس في الخلف، فلا يسمح للأطفال بالجلوس بالمقدمة لأغراض السلامة المرورية – كنت آنذاك أبلغ من العمر 8 سنوات في الصف الثاني ابتدائي – تحركت إلى المقعد الخلفي، وكنت مسكوناً بمشهد العلم على سارية السيارة وظللت أتأمله بإعجاب واندهاش – لرهابة وهيبة منظر العلم – لكن السائق لم يسمح لي طويلاً بتلك المتعة، وطلب مني أن أجلس خلفه مباشرة لأن هذا المقعد سيكون من نصيب السفير – والدي – الذي يُفترض أن يجلس خلف العلم مباشرة. كنت مدرباً على سرعة الامتثال للأوامر – وتلك لها قصة لوقت آخر من طفولتي.

كان ذلك أول درس تعلمته في سيرة الحياة الدبلوماسية، غرس وكرس لدي هيبة واحترام العلم، رمز الدولة.

 

المحطة الثانية: الحقيبة الدبلوماسية

كانت تصل أسبوعياً من عدن طائرة إلى مقديشو، وكانت تحمل الحقيبة الدبلوماسية المبعوثة عبر وزارة الخارجية – كانت هذه الحقيبة عبارة عن كيس بطول متر ونصف وقطر 90 سم مصنوع من قماش خاص متين جداً مصمم لذلك الغرض، محمي من التعرض للماء والرطوبة والحرائق، ومغلف بطريقة محكمة ومختوم بالشمع الأحمر، وغيرها من مواصفات السلامة الأمنية الدبلوماسية.

عندما يدخل الوالد عائداً من السفارة مع نهاية اليوم تقريباً عند الساعة الخامسة مساءً، كان يعود بعد مكتبه بالسفارة – حيث كان رحمه الله مفرط في الإدمان على العمل – يدخل السائق معه إلى بهو الفيلا ويضع الحقيبة في صالة الاستقبال المفتوحة. كان الوالد يقوم بفتح الحقيبة أمامي، وكنت مسكوناً بسحر استكشاف محتويات الحقيبة، مترصداً بانتباه عالي لكل إشارة تصدر من والدنا لاتباعها.

كانت هناك ثلاث طاولات مستطيلة تقريباً، كل منها بطول نحو 120 سنتيمتراً. كان والدي يقوم بتصنيف محتويات الحقيبة عليها على النحو التالي:

•وثائق حكومية رسمية (تكون في مضاريف ذات لون كاكي فاتح وعليها شعارات النسر الحكومي أو مسميات الوزارات أو المؤسسات).

• وثائق شخصية (مضاريف بمختلفة الألوان من الأبيض السماوي والخياري ومن عينة تلك المضاريف البريدية وعليها رسائل من الأصدقاء والأقرباء والمعارف).

•وثائق ومنشورات صحفية (صحيفة 14 أكتوبر، صحيفة الثوري، صحيفة الشرارة، مجلة الجندي، إلخ).

بعد انقضاء أكثر من أسبوعين أو ثلاثة على مراقبتي التدريبية لذلك النظام من توزيع محتويات الحقيبة، كان والدي بعد فتحها وفرز الوثائق الرسمية عالية السرية ، يذهب للغداء والراحة، خلالها يوكل إليّ القيام بعملية الفرز والتوزيع لما تبقى من الوثائق العائلية والصحف والمجلات، وبقت تلك مهمتي حتى آخر أسبوع من سفره للمشاركة في مؤتمر الدبلوماسيين مطلع أبريل 1973 . كان والدي يثق في مسؤوليتي وحرصي كجزء من متطلبات الإعداد لأجيال المستقبل.

من ذلك الدرس الأسبوعي تعلمت مهارات التصنيف ودقة التنظيم والأرشفة والتوثيق بين الرسمي والشخصي مع تعلم الاحتمال والصبر في تنفيد المهام.

المحطة الثالثة: العشاء بالسفارة الصينية

ارتبط والدنا، الذي كان عميد السلك الدبلوماسي العربي في الصومال، بعلاقة وثيقة مع السفير الصيني، وكان والدي معجباً بالتجربة الصينية العملية في إحداث التنمية وإزالة الفوارق بين المدينة والريف، وغيرها من القيم الثورية التي كان الثوار يحلمون بتحقيقها في حقبة السبعينيات من القرن العشرين.

واحدة من الذكريات المتميزة في ذاكرتي هي دعوة السفير الصيني العائلية للعشاء في منزله عام 1972، وحينها قرر والدنا أن يأخذ بالإضافة إلى أمي أبناءه الكبار الثلاثة( معن 10 سنوات، لؤي 9 سنوات، خلدون 8 سنوات).

قبل الزيارة بعدة أيام، قام والدنا بسلسلة من المحاكاة التدريبية لقواعد ومراسيم الحضور والمشاركة في مثل هذه المناسبات الدبلوماسية، سواء من آداب الملابس وشروطها (ملابس بطرازالبدلات الحزبية آنذاك لنا جميعاً كما كان الأمر مع والدنا)، إلى آداب الحديث ونبرات الصوت والضحك وعادات المصافحة وحركات الرأس والإيماء والمتابعة البصرية للمحادثات، إلى قواعد الجلوس على الطاولة أثناء العشاء، وطريقة إستخدام العيدان الصينية بالاكل بدل الشوكة والسكين، وعندما ذهبنا الى العشاء كانت المقالب الظريفة.

كنا ملزمين بعدم تحريك رؤوسنا إلى الخلف لمشاهدة النادل وهو يقدم الوجبات، بل الانتظار حتى يحط الصحن وما عليه على الطاولة. وعندما تكون الأطباق المطلوبة على جانبيك، عليك فقط أن تهز الرأس بالموافقة تعبيراً عن الشكر والامتنان للخدمة.

أتذكر حينها أن النادل جلب لنا طبقاً به سمك بالعسل وعندما بدأنا بغرس العيدان الصينية لانتزاع قطع السمك ووضعها في أفواهنا، كانت المفاجأة بطعم السمك مع العسل فلم نكن متعودين على ذلك، ووفقاً للإرشادات المسبقة، كان ممنوعاً إخراج أي طعام من الفم أو إظهار التقزز حتى لا نلفت نظر الضيوف إلى قلة لياقتنا، فما كان منا إلا أن أكلنا كل السمك مع العسل وعدنا إلى البيت نعاني من آلام الأمعاء حتى الصباح.

الدرس المستخلص: أهمية احترام ثقافات وعادات الشعوب الأخرى، وتعلم تقاليد وآداب الدبلوماسية، وبرتوكول العشاء، وآليات التصرف اللائق، مع تقبل الثمن المدفوع كضريبة للمجاملة الدبلوماسية.

 

المحطة الرابعة: استقبال الشخصيات القيادية الزائرة من عدن

كان الوزراء والقادة من الدولة في عدن يترددون بزيارات رسمية إلى مقديشو العاصمة، حيث كانت ترتبط عدن بعلاقة صداقة وثيقة معها آنذاك. أتذكر عدد من زوارنا مثل محمد ناجي بن شجاع – الذي استشهد مع والدنا في حادثة الطائرة – وكان تقريباً أول رئيس لجهاز أمن الثورة بعدن، ولاحقاً القائم بأعمال سفارتنا في إندونيسيا ( بالمناسبة، والدنا عبدالباري قاسم هو من افتتح سفارتنا في جاكرتا في فبراير 1969م)، كذلك زارنا محمد صالح مطيع وزير الداخلية، وعبدالعزيز عبد الولي وزير التخطيط.

أكتفي هنا بالحديث عن الزيارة الأخيرة للوزير عبدالعزيز عبد الولي، حيث تضمنت مراسم الاستقبال حضورنا المبكر إلى مطار مقديشو الدولي بعد العودة مباشرة من المدرسة، وتغيير الملابس المدرسية إلى البدلات الحزبية الرسمية التي كانت شائعة آنذاك. تحركنا مع والدنا في سيارة المرسيدس، ودخلنا المطار إلى صالة كبار الشخصيات، وكانت تلك أول مرة أدخل المطار بدون تفتيش أو إجراءات السفر الاعتيادية. كان البرتوكول يُلزمنا أن نكون خلف والدنا بمسافة مترين، وعند وصول الوزير عبدالعزيز عبد الولي – رحمه الله، الذي توفي عام 1983م – وجلس مع والدنا في قاعة كبيرة، جلسنا نحن الأبناء الثلاثة (معن، لؤي، وخلدون) على كنبة في نهاية المسافة المقررة لجميع طاقم السفارة اليمنية بمقديشو مقابل الوفد القادم من عدن.

حتى كسر الوزير عبدالعزيز – الذي كان حميماً ودوداً جداً – قواعد البرتوكول واستدعانا جميعاً للجلوس بجواره والتعارف معه، وكان وزير الدفاع الصومالي آنذاك علي سمنتر ممثل الحكومة الصومالية لاستقبال الوفد اليمني.

الدرس المستخلص: الاحترام والالتزام والدقة في اتباع الإرشادات البروتوكولية لمراسم استقبال الوفود، ولكن لكل قاعدة استثناء.