كلمة زيدي التي كان ولايزال يستخدمها الجنوبيون خلال تاريخ طويل يمتد مئات السنين تعني مدلولاً جغرافيا فقط، هي كلمة مرادفة لكلمة (شمالي),شافعياً كان أو زيدياً, تعزي الجغرافيا أو صعداوي المنشأ. أي أن الزيدي في الفهم الجنوبي هو الشمالي القاطن بمناطق الزيدية والشافعية على حدٍ سواء كإشارة جهوية لا أكثر ولا أقل، وليس لهذه الكلمة أية علاقة بالمعنى المذهبي أو الطائفي كما يحاول البعض اليوم أن يخرجها عن مساق فهمها التاريخي لأهوائه الطائفية والتي هي بالأصل اهواء سياسية وإن غُلفِت بغلاف ديني طائفي بائس. كلمة درج على استخدامها الجنوبيون طويلا ضمن الفهم الجمعي البريء لكثير من المصطلحات والمفردات السياسية والاجتماعية والثقافية كواحدة من المفردات التي ولدت من نتاج تزاوج التاريخ بالجغرافيا (الزمكان)وثالثهم السياسة.
فهذا التوظيف الخطير الذي يسلكه بعض الخبثاء تجاه هذه المفردات من شأنه إخراج القضية الجنوبية عن قضبان سكة خطها التحرري وتكسير مجاديفها وهي تمخر بمحيط متلاطم والانزلاق بها في مهاوي الردى والضياع إن تماهى الجنوبيون معها واستدرجوا إلى فخها المميت وشِراكها القاتل.
فيجب ألا يقبل الجنوب إصباغ قضيته الوطنية بصبغة دينية مذهبية أو يقبل بالتجنّي على ديننا الإسلامي الحنيف وإقحامه بمضمار السياسة كما تفعل بعض القوى معه اليوم بخديعة الطبع اللئيم.
فلطالما عانى الجنوب من تسييس الدين وتديين السياسة، وأكتوى بنيران بمكائد الإسلام السياسي وفتاويه منذ فتوى الديلمي عام 94م حتى فتوى المطاع 2016م وما بينهما من فتاوي وبلاوي استولى أصحابها على الطم والرم من عدن حتى المكلا. وبالتالي فلن يكرر الجنوبيون أخطاء وخطايا الغير التي مقتوها واستهجنوها طيلة أكثر من عقدين من الزمن كي لا تُباع قضيتهم في بازار نفاق الإسلام السياسي، وسوق نخاسيّ الأوطان كما اُريد لها بالأمس واليوم. فجهبذ الإسلام السياسي يحدثك عن الدين وعينه جاحظة على الوزارة.
فللجنوب قضية سياسية وطنية صرفة وليس له مع الشمالي أي اشكال بالدين والمذهب والعِرق. وليس غريمه بائع اسطوانة غاز أو خضار أو تاجر قماش أو صاحب مغسلة، ونقصد هنا المواطن البسيط، وليس عيون السياسيين وعسس الأحزاب، فللجنوب غريم واحد لا غير هو النخب السياسية والحزبية والقبلية وقوى الإسلام السياسي بصنعاء.
للجنوب قضية وطن تم احتلاله عنوة بقوة الحديد والنار عام 1994م. نعم هي قضية وطنية سياسية مع النخب السياسية بالشمال التي افشلت مشروع الوحدة عام 94م وجددت هذا الفشل عام 2015م، وأحالت الحلم الى كابوس، والوطن الحقيقي الى وطن افتراضي… قضية سياسية مع النخب الحاكمة والنافذة، بمعزلٍ عن باقي الجوانب الأخرى التي تربط بني العوام من الناس كضرورة تفرضها الجيوسياسية بين الشمال والجنوب متشابكة المصالح والروابط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.